سعد الدوسري
هناك من يظنون أنهم قادرون على العبث بالتاريخ، كما يعبثون بأحجار الشطرنج. هؤلاء يعتبرون التاريخَ مجرد أحجارٍ يمكن تحريكها، لتقفز من موقعها إلى المواقع التي تحقق انتصاراتهم الشخصية.
التاريخُ هنا لا يحتمل عبثَ الأصابع، مهما كان حجم اليد التي تحملها.
التاريخ ينحازُ دوماً للحقيقة، وليس للكذب والمنفعة.
هذه الحقائقُ يعرفها من يحمل التاريخَ بين دفتي رؤيته، يحملها كل يمنيٍّ عاش أو يعيش في فضاء العمق الخالد بين بلاده وبلاده؛ بلاده الأولى اليمن، وبلاده الأولى أيضاً المملكة العربية السعودية.
هذه الكلمات ليست عواطف كاتب، مرةً أخرى، إنها التاريخ.
أنظرُ اليوم إلى أوراقي، فأجدني حين رصدتُ تاريخَ طفولتي وشبابي، في أعمالي القصصية والروائية والصحفية، أفوحُ بصنعاء كما أفوحُ بالرياض، وبتعز كما أبها، وبالحديدة كما نجران، وبالمكلا كما الهفوف.
هي ليست أوراقي فحسب، هي أوراق أجيال متواصلة، تشابك النسيجُ فيها إلى درجة لم تعد تفرّق بين اليمني والسعودي.
أهي أوراقُ فحسب؟!.. لا، فهي حياةٌ معاشة.
حياةٌ ابتدأتْ منذ ابتدأنا.
أليستْ صورةُ اليمني هي صورتنا؟!.. لنعد لسجلات الصور الاجتماعية، حيث الصورتان غدتا صورةً واحدة في التجارة وفي البناء وفي التنمية، بل في النَسَب والقبيلة.
أيُّ تاريخٍ يحاول العابثون القلّة أن يمسوه؟! أيّ ذاكرةٍ يعيشون بها اليوم؟! أيّ انفصامٍ أصابهم، وأحالهم إلى كائنات لا تعرف الفرق بين الجسد والجرح؟!.. إنه الجرح.
جاؤوا به من بلاد لا تعي لهجتنا المشتركة، وزرعوه في الجسد المتماسك، ظنّاً منهم أنهم سيميتونه.
فضاؤنا الواحد سيعود أيّها اليمنيون، سحابة سوداء وستعبر، وسنعود، كما نعود دوما