د. خيرية السقاف
أيها الإنسان، في الزمن الفارط في البحث عن الإنسان، أينك من الإنسان فيك..؟!
أيكفيك نوم ساعات، وأكل وجبات، وإرسال ضحكات، وشجب اعتداءات، وإنكار ظلامات،..
والجري وراء كل نبأ، والغرف من كل طبق..؟ والخوض في كل حديث، واللوك في أية سيرة..
ونفض الجنوب، وخض الجيوب، وإسباغ الطيب، وقرع الطبول، والنياحة على أية جنازة، والعويل عند الكروب، والهتك لأي العيوب..؟
أين منك المخيلة ثرية بالاخضرار، والفكرة الروية بالعطاء، والكف الشديدة بالسماح، والعضد القوي بالعضد،..؟
أيكفيك أن تستيقظ الصباح فتغسل وجهك، وتطيب كفك، وتلمع حذاءك، وتشعل مقودك،
وأنت في أبهة الثوب الناصع، والجيب العامر، أو الخاوي..؟
أيكفيك أن تمر بالطرقات فتنقد، وتسخر، لا ترضى، وتلوم..، تخطط، وتحيك، تضمر، وتنوي..؟.. وإن أحطت بما لا ترغب سخطت..، وربما فتحت نافذة عربتك، وتجهمت على العابرين..؟
أيها الإنسان بلونك الآخر أيكفيك أن تقف كسيراً أمام رئيسك، تركض لإرضائه، وتبذل لإسعاده، وقلبك يئن ضجراً، ولسانك مقفل عليه بصمتك..؟
وأنت الآخر أيها الإنسان،
أين أنت من الإنسان وأنت هناك تفني الذين فوق الأرض، وتفتك بالذي فوق الأرض من أجل نفس واحدة هي نفسك..؟
بنى غيرك وحطَّمتَ أنت..، نهض غيرك، وترديت أنت..
أخلص غيرك وأفسدت أنت..، حفظ غيرك، وفرطت أنت..
أهدرت الدماء، وما ارعويت..
هؤلاء الصغار رماد نارك قلوبهم هلعة..،
عيونهم غرقى..، بطون أقدامهم حافية تتلظى..،
رؤوسهم حاسرة، في الزمهريرين بأتونهما..
كيف تطيب لك ابتسامة، وتهنأ لك لقمة، وتغمض لك عين..؟..
كيف لا تكتوي بنار توقدها، ولا تغص بعلقم زرعته..؟!
وأنت أيها الإنسان الآخر،
أين أنت من الإنسان وسلاحك وسادتك، وبوصلتك، وإشارتك، وعينك، وجبهتك..؟
يا إنسان:
أينك إنسان المشهد بكل ألوانك من الإنسان الشاهد عليك في بقع الأرض، وآمادها..؟
في السلم لاهث لدنياك، وفي الحرب لاهث لذاتك،
وفي طرقات الحياة أنت صخر، أو طمي، أو تراب،..
أو غبار.. أو عجينة رخوة، أو أسمال..!
أينك يا إنسان كائناً من تكون.. من الإنسان..؟!
ألا تستحق الحياة أن تكون أنت فيها الحياة،..
فتكون هي بإنسانها حياة..؟!