د. محمد عبدالله العوين
أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في خطابه «الوثيقة» خطة الطريق التي سيسير عليها في سياسته الداخلية والخارجية. في يوم الثلاثاء الماضي التاسع عشر من جمادى الأولى أراد الملك أن يستمع إليه عن قرب في قصر اليمامة الأمراء والعلماء والوزراء وأعضاء وعضوات مجلس الشورى والوجهاء وأصحاب الرأي والكتاب؛ ليكونوا شهداء على انطلاقة منهجه الإداري والسياسي في جوانبه التنموية والإصلاحية، وفي تعاطيه مع الحالات السياسية الخارجية المزمن منها؛كقضية فلسطين، أو الطارئ منها؛كقضية الإرهاب.
وبقراءة لأبرز ملامح الكلمة؛ يتبين لنا تأكيد الملك على مواصلة العمل على الأسس الثابتة التي قامت عليها بلادنا منذ توحيدها؛ وهي «التمسك بالشريعة الإسلامية، والحفاظ على وحدة الوطن، وتثبيت الأمن والاستقرار، ومواصلة البناء لاستكمال ما بدأه الملوك السابقون بالسعي المتواصل نحو التنمية الشاملة المتكاملة والمتوازنة في جميع المناطق والعدالة لجميع المواطنين وإتاحة المجال لهم لتحقيق تطلعاتهم وأمانيهم المشروعة».
وتلخص تلك الكلمات الموجزة المختارة بكل العناية والدقة الشطر الأكبر من منهج الملك سلمان في السياسة الداخلية؛ أما التفاصيل لما أجملته هذه الكلمات فأتت في ما تبقى من الخطاب الملكي. لقد أكد الملك على الشفافية في التعامل مع المواطنين من هرم الدولة الملك نفسه الذي سجل في كل مراحل عمله الإداري على مدى ستة عقود النموذج الأمثل لسياسة الباب المشرع المفتوح الذي يتيح لأي مواطن أو مقيم أن يصل إلى «سلمان» مباشرة وبدون تعقيدات أو حواجز ويفضي بما لديه من شكوى أو مظلمة أو رأي؛ ليستمع إلى التوجيه السريع باتخاذ ما يلزم من حلول فورية، ويريد الملك سلمان من أمراء المناطق والوزراء أن يتخذوا المنهج الشفاف نفسه أسلوباً لحل مشكلات المواطنين، ثم تطلع إلى أن تكتمل عملية التواصل بين المسؤول والمواطن بتفعيل دور الإعلام وضرورة انتقاله من السير خلف القافلة إلى السير أمامها باستشراف المستقبل والتبشير بالإيجابيات بأسلوب واقعي والتوقف عند السلبيات برؤية عقلانية ملتزمة محبة للوطن مبتعدة عن التهويل أو التضخيم وباحثة عن الحلول المخلصة الناجعة وتبني الآراء الراشدة ونقل معاناة المواطنين.
واستمراراً لتقويم عملية البناء والتأكيد على ضرورة التواصل بين القيادات الحكومية والمواطنين وتكسير الحواجز المانعة من ذلك وتفعيل الدور الإعلامي لتسريع التطوير ومعالجة التعثر والنقص؛ أظهر الملك سلمان إصراره على السير بخطى حثيثة نحو «التحديث» وأوكل المسؤولية لمتابعة «التحديث» والتطوير في جوانب الحياة الخدمية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية إلى مجلس الشئون السياسية والأمنية ومجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، وألزمهما «بمضاعفة الجهود للتيسير على المواطنين والعمل على توفير سبل الحياة الكريمة لهم، وهو أقل الواجب المنتظر منهم، ولن نقبل أي تهاون في ذلك».
ولتحقيق العدالة بين المواطنين والحفاظ على ثروات البلاد ومكتسباتها وجه الملك بمراجعة أنظمة الأجهزة الرقابية بما يكفل تعزيز اختصاصاتها والارتقاء بأدائها لمهامها ويسهم في القضاء على الفساد ومحاسبة المقصرين.
وتنتقل بنا الكلمة الملكية «الوثيقة» إلى إصرار الدولة بقطاعاتها كافة على محاربة الإرهاب والتطرف بكل صوره واجتثاث بذوره وخلاياه؛ لمحاصرته والقضاء عليه، والتعاون مع دول الجوار المحيطة ومع دول العالم؛ باعتباره وباء دولياً.
وتوقفت الوثيقة عند ضرورة تنويع مصادر الدخل، واكتشاف ثروات جديدة مما تخزنه أرضنا المباركة؛ لاستمرار دفع التنمية والبناء والعيش برفاهية للمواطنين كافة.
وقد بشر الملك المواطنين بعهد مزدهر وبإنجازات قادمة مهمة في السنوات القادمة بتوسيع محيط دائرة التصنيع واستغلال الثروات وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة النافعة. وأولت الكلمة الوثيقة قطاعي «التعليم والإسكان» اهتماماً خاصاً؛ باعتبار التعليم منطلق النهضة، ومن أجل القضاء على أزمة الإسكان التي تتضخم في أسرع وقت ممكن.
وكأن الملك سلمان يقول: «هذه خطتنا، ومن لا يستطيع تحقيق هذه الغايات الوطنية النبيلة فليس له مكان في مقعد المسئولية الحكومية»!.