عبد الرحمن المعمر
أيها الجمع الكريم أتيت أحدثكم عن شخص تعرفونه ورجلاً لا تنكرونه إنه ضيف هذه الأمسية لا أقول الضيف بل – رب الدار – كما تقول العرب. عرفه بعض القراء مؤرخاً ومجغرِفاً أما أنا فقد لقيته في يفعاته أدركت شيئاً من بداياته يوم كان يراسل الصحف قبل أكثر من خمسين عاماً لا سنة وقد ذكرت شيئاً من ذلك في مقالات سابقة نشرتها عنه في مناسبات أخرى. لقد كان الجِد والمثابرة صفة ملازمه له، وهذا ما جعله يتبوأ المكانة التي تدعونا أن نباهي به اليوم ونحتفي به في هذا المنتدى المبارك.
أحب أن أوجه الحديث لجميع الشباب الذين أرجو أن نحتفي بهم بعد سنين كما نحتفل بنجم أمسيتنا. أقول لهم: عليكم بالقراءة ثم القراءة فهذا الرَجل ما وصل إلا بالحرص على القراءة الجادة لا الهازلة، والعميقة لا السطحية ومن حسن الفأل والطالع أن احتفالنا الليلة سبقته أخبار سارة سمعتها عن إنشاء جمعية سعودية للقراءة في إقليم الأحساء أرجو أن يكون لها فروع في كل محافظة، حيوا معي هذا التوجه نحو القراءة فإنها سبيل الوصول إلى قمم الثقافة التي ما تحصن بها إنسان إلا أصبح عَلَماً ذو شأن. راجعوا إن شئتم ما كتبه الكبار كالعقاد وتوفيق الحكيم وأحمد أمين وطه حسين وغيرهم عن فوائد القراءة حتى عدّها بعضهم علاجاً نفسياً لعاهات الإنسان ووساوس النفس والشيطان.
الصديق والزميل حمّاد السالمي... لا أستطيع أن أوفيه حقّه في عجالة فقد سُبقت بكرام كاتبين ألقوا بعض الأضواء الكاشفة والدراسات الفاحصة حول أعماله الجغرافية ومشاريعه الثقافية وكتبه التاريخية. لقد ضرب في كل اتجاه بسهم، كتب في الخواطر، والمشاعر، والهم العام، والتاريخ والآثار والمسالك والديار، والأفاكيه والأشعار...
امتطى متن السيارات، جاس خلال الصحراء، وراد الفلا، واستعان بشيوخ العشائر وعُمَد النواحي والأدِلاّء في الهجر والضواحي. لم يكتفِ بالقراءة بل وقف على الأوابد والعاديات والكهوف والخيوف يطابق ويقارن يسأل ويتحرى لا يتسرع ويتجرا.
هكذا من يتصدى للتحقيق والحقيقة والجغرافيا والمكان والقاطن والمكين. صحبت الصديق في رحلات داخلية وخارجية، وإذا كان من اشتقاق السفر أنه – يُسفِر – عن أخلاق الرفيق، ويكشف معدن الصديق فلا أنسى زياراتي معه لإقليم الأحساء المعروف بكثرة الأدباء والشعراء وكيف فوجئنا بالحشد الهائل في الندوات والأمسيات التي شاركنا فيها.
تحاورنا معهم فأوصلنا لهم رسالة وسمعنا منهم مقالة. رجعنا محمّلين بإعجاب لأولئك الرجال وذلك الإقليم فحيّا الله ((ديار هجر)) وساكنيها وحيّا تلك الأمسيات التي لا تنسى لقد عبرت عنها في مقالة نشرتها وأعاد بعض أدباء الأحساء بعثها في دورية لديهم. وهل أتاك حديث واحات القطيف وكيف استقبلت وفد ثقيف الذي جاء لتفعيل توصيات الحوار الوطني يسعى لتحقيق مقرراته وتطبيق توصياته وكيف كانت اللقاءات الأخوية والمناقشات العقلانية التي رفعت مستوى الحوارات وألقت بظلال من الود، فاختصرت مسافات من البعد (لا تقولوا هذا كلام أديب منمق) لا يا إخوان إنه وصف للقاء قد تحقق وصفاء حل بعد سوء فهم زل.
أما رحلتي معه إلى عسير فقد كانت عبر جبال (السروات). كنا نعبر الطريق، والصديق (أبو أكرم) يشرح لنا أسماء الأودية والجبال وما ورد عنها في المعاجم الجغرافية والكتب التاريخية وكان لنا في عسير مع بعض مثقفيها كما في الأحساء مقابسات ومساجلات وساعات صفاء تجليات.
أما ذكرياتي معه خارج المملكة ووراء الحدود فلا تُنسى أيضاً رحلتنا إلى الديار التونسية قبل أكثر من ثلث قرن وكيف تعرفنا هناك على طائفة من رجالها ونفر من أخيارها أمثال العالم اللغوي اللوذعي نور الدين بن صمّود، والناشر المثقف المتطلع علي بو سلامة، والأستاذ الباحث الحبيب السالمي ابن عم صديقنا الذي أكد لحمّاد أن قبيلة السوالم منتشرة في ديار المغرب الأقصى والشمال الأفريقي.
وقد توّج هذه الرحلة الأخ حمّاد بالبحث اللغوي عن اللهجات المغاربية نشره في ملحق المجلة العربية فراجِعوه.
أما رحلتنا إلى ديار الشام قبل أعوام فقد زرنا معالم دمشق وبعض أعلامها والتقطت لنا معهم صور للذكرى من أمثال شاعر سوريا الكبير في زمانه سليمان العيسى الذي رحب بنا وتحدث عن لقاءاته ببعض الشخصيات السعودية والقامات الأدبية أمثال عبدالعزيز الرفاعي وراشد المبارك وآخرون - رحم الله الجميع -.
وممن لقيناهم وسعدنا بلقياهم الشاعر والمتحدث الباهر والعازف الموسيقي الساحر (فؤاد بركات) استضافنا ليلة في حديقة داره وفي يوم آخر أخذنا لنشهد دروسه في الموسيقى والشعر نهاراً بعد الظهر في قاعة أحد دور الثقافة بدمشق حيث كانت غاصة بالطلاب والطالبات من مختلف الأعمار والطبقات ولم يكتفِ بذلك بل سعى بنا ذات ليلة لزيارة عبقري الدراما السورية الفنان (ياسر العظمة) الذي استبقانا إلى ساعة متأخرة من الليل في منا قشات وأحاديث حول دور الدراما والمسرح في إصلاح عاهات المجتمعات وسخافات الناس والعادات. وهكذا كانت تمضي أيامنا وليالينا في الإمتاع والمؤانسة والسياحة الثقافية. رد الله تلك الأيام وسقى ديار الشام.
أعود إلى الصديق حمّاد ألم أقل لكم أنه متعدد المواهب والجوانب لا أريد أن أحصي مؤلفاته وأحصر إنجازاته فهي متنوعة ولديكم وبين أيديكم طرفاً عنها أو شيء منها. ألا ينطبق عليه قول القائل:
حمال ألويةٍ.. هباط أوديةٍ
للكتب جماعُ
الحديث عن الصديق حمّاد يُثري ويُغري والتحدث عن أمثاله يَحسُن أن يمتد ويطول ولا يحد لكن الوقت لا يسمح بالتفاصيل فلا مانع من القليل: لقد أخذ نفسه بالجِد فأصبح المتجدد، وبالوضوح والصراحة فأضحى أحد أعلام الساحة، فيه وفاء للكبار وسخاء للضيوف والخطّار، فكم لفت نظري إلى ضيف هبط الطائف يرغّبني في زياراته للترحيب به وإشعاره بمكانته وهذه خصلة لا يحيط بها إلا أهل المروءة والسماحة والفضل والبذل.
ألقيت في منتدى الشيخ/ محمد صالح باشراحيل الثقافي.