عبد الاله بن سعود السعدون
العراق بلد الحضارات وعلى ترابه ولد الأنبياء وقدم السومريون للعالم أول حرف مسماري ليسطر حضارتهم وشكلت مسلة حمورابي أسس وأصول العدل وسلطة القانون قبل سبعة آلاف سنة.. هذا البلد العريق بتاريخه القديم وبجذوره العربية الحاضرة حيث شكل أهله في عهد النور الإسلامي الركيزة القوية للفتح ونشر الدين الحنيف من جبال إيران حتى التراب الصيني.. مع كل هذه الملحمة التاريخية من المجد والأصالة العربية يتعرض اليوم لحملة ظالمة من التشكيك بعروبة شعبه منذ كارثة الغزو الأنكلو أمريكي وبدعم إيراني تحول إلى ساحة فوضى مهتزة للأعمال الإجرامية المشبوهة من قوى استخبارية لدول الجوار الإقليمي وأخذت الاستطلاعات الإيرانية حصة الأسد منها مستغلة التوافق المذهبي مع أشقائنا العرب من أهلنا الشيعة في جنوب ووسط العراق وأمعنوا بالضرب على أوتار الظلم والتسلط والحرمان الذي تعرض له قسماً من هذه الطائفة الإسلامية الكريمة في العهد البعثي السابق واغتيال وقتل بعض مراجعها الدينيين رحمهم الله سبباً ومحركاً للتحريض والاحتواء في مراكز النفوذ للسلطة الجديدة بعد الاحتلال الانكلو أمريكي وقدمت سلطة المندوب المدني المحتل بريمر الضوء الأخضر لإطلاق يد هذه القوى الاستخبارية للائتلاف مع الكتل والأحزاب المذهبية لتشكل قوى ومليشيات مسلحة لنشر الرعب والخوف بين أبناء الشعب العراقي العربي وبذر الفتنة الطائفية بين مكوناته ورفض مشاركة أشقاء الوطن من أهل السنة للمناصب القيادية في قوى الجيش والأمن الوطني والأجهزة الاستخبارية في الدولة وتمييزهم بمسمى (العرب السنة) متناسين بأن الأشقاء أبناء الطائفة الشيعية الكريمة الأكثر التصاقاً بالأصول العربية ومجمل قبائلهم من جذور عربية أصيلة نزحت من الجزيرة العربية وما زالت تعيش فيها ليومنا الحاضر ولهم قربى ونسب مع أشقائهم في العراق.
مثلما كان الادعاء الكاذب لأحفاد الفرس أبان القرن الواحد والعشرين بتبعية أرض العراق لإمبراطوريتهم الفارسية المجوسية وفرض بغداد الرشيد عاصمة لها وهدفها البعيد إعادة أمجاد عهد قورش الكبير وكسرى وأن العرب كانوا أتباعاً ولا بد معاملتهم بتعالي وغطرسة كما كان ملوكهم يتعاملون مع أمراء الحيرة وأخذ ثأر القادسية واستعادة أساور كسرى وبهذه العقلية المهووسة يتعالى طواويس إيران الآن وبعد ما يدعى بثورتهم الإسلامية أخذوا يلتفون بغطاء نشر التشيع وتصدير مبادئ ثورتهم الإيرانية للجوار العربي وبهذه الحجة الميكافيلية يتم رسم خارطة التوسع الفارسي الجديدة لتشمل أولاً بلاد الشام والعراق وبعدها يتحقق الهدف الأوسع بالتمدد باتجاه باب المندب حتى اللاذقية على البحر الأبيض المتوسط بتبرير مغلف لأجل حماية مراقد أهل البيت في العراق والشام من الغزو الإرهابي الوهابي بحسب زعمهم ونسوا أن كل مسلم مهما كان مذهبه يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم وأهله كل يوم في صلواته الخمس. ويكن لهم بالمحبة والدعاء وخلال هذه الفترة الحرجة والخطرة التي يعيشها العراق الشقيق تتعالى أصوات طامعة تكشف الأقنعة السوداء عن استعادة الهيبة الإمبراطورية وبلع بلاد العرب وبتصريح جنوني من مستشار رئيس الجمهورية روحاني المدعو علي يونسي ويتزامن معه صوت طامع وعنصري آخر صدر من مستشار الأمن القومي الجنرال شمخاني وبغطرسة عالية يصرح: (أنه لولا نوايا بلاده الطيبة لسقطت بغداد وأربيل ودمشق بيد تنظيم داعش) وأكد ولايتي المستشار للشؤون الدولية (أن بلاده دعمت أصدقاءها في المنطقة سوريا والعراق واليمن ولبنان وفلسطين وأن إيران هي (الدولة الأقوى) والأكثر نفوذاً في المنطقة والأعداء قبل أصدقائنا يقرون ذلك... وجاء تصريح علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى بقوله إننا لا نطرح علاقاتنا مع العراق في الإعلام وقد بادرنا من الساعات الأولى لاحتلال الموصل بمد القوات العراقية بالمساعدات العسكرية انطلاقاً من الوضع الاتحادي بين البلدين... وسبقه بنصف قرن صادق قطب زاده وزير خارجية العهد الخميني الأول بتصريحه الجنوني الذي شعل فتيل الحرب العراقية الإيرانية حين صرح (أن العراق جزء من إيران وكذلك بلاد الخليج الفارسي تشكل جزءاً من الأراضي والساحل الغربي من الخليج) وقد جاء اليوم رد الفعل من أبناء الشعب العراقي شديد الغضب والاستنكار لهذا التدخل الوقح في الشأن العراقي مما داعا وزارة اخارجية العراقية باستحياء. لإصدار بيانا تحتج به عن هذه التصريحات المستفزة كأعلى رد دبلوماسي تتخذه ضد إيران..
ولو عدنا بذاكرتنا إلى الوراء لوجدنا أن إيران الشاهنشاهية أيضاً كان لها نفس التصور الطامع في التراب العراقي وهي الدولة الوحيدة التي لم تعترف بالعراق عضواً في عصبة الأمم في عشرينيات القرن الماضي وفي الجانب الآخر كانت إيران أول دولة مصوتة لصالح تأسيس دويلة إسرائيل حين انضمامها للأمم المتحدة.
القوى العربية في العراق مدعوة الآن لنبذ الفتنة الطائفية المقيتة والتمسك بالوحدة الوطنية وهويتهم العربية والعمل الجاد للحفاظ على تراب الوطن الغالي والتصدي لكل محاولة طامعة بخيراته تحت مسمى نصرة المذهب ونشره... والإدراك بأن الهدف لكل هذه المشاريع العنصرية الإيرانية هو ابتلاع العراق وضمه لإمبراطورية الدخان الأزرق الفارسية، أن هذه التصريحات والنوايا العدوانية السافرة ضد السيادة العراقية من مسؤولين كبار لهم التأثير في القرار السياسي الأعلى في السلطة الإيرانية تعطي انطباعاً واضحاً لمدى عمق تغلغل النفوذ الإيراني في محيط مراكز القوة والسلطة في أجنحة الحكومة العراقية الحالية والسابقة وكشف المستور عن ملفات سرية تحوي مشاريع مستقبلية عقد في عهدي نوري المالكي لربط المستقبل السياسي العراقي بإيران ومن جانب آخر تمثل في خطورتها تفجر القنابل الموقوتة على الأرض المشتعلة في عراقنا العربي وتهشيم شظاياها كل سيادة ورموز استقلال الدولة العراقية بل تداعياتها اتجهت نحو التحدي الأكبر لوحدة المصير العربي بأكمله والعراق الدولة المؤسسة للجامعة العربية.
أن ناقوس الخطر يدق وبقوة ليوصل لنا التهديد المباشر على أمننا القومي ولا نستغرب يوماً قريباً أن نصحو معه على إعلان قيام الاتحاد الثلاثي الشيعي وأركانه طهران وبغداد ودمشق والعالم العربي غارق في غفلة الغفوة بالثقة المتناهية بالصديق الاستراتيجي الأجنبي.. ولنتجه يا أشقاء العروبة نحو قوتنا القومية وترميم بيتنا العربي الكبير ونوحد قرارنا السياسي والإعلامي وننفخ الروح في اتفاقية الدفاع العربي المشترك لنصون ترابنا الوطني ومكاسبنا الحضارية ونوقف كل معتد طامع عند خط أحلامه الخيالية.