فهد الحوشاني
النصح والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر هذا الدين، والكثير منا يقوم بهذه الشعيرة، يؤديها بتلقائية في بيته أو في عمله أو عبر مقالة أو برنامج إذاعي أو تلفزيوني أو غير ذلك.
والشرع لم يترك الأمر بلا ضابط وإلا لحلت الفوضى بين الناس كما يحصل إذا يتنادى من يسمون بالـ(محتسبين) في كل عام لغزو معرض الكتاب! وأنا متأكد أن هناك نوايا طيبة تدفع البعض، ولكنهم يوردون إبلهم بطريقة تضر بهم وبهدفهم! ومن حق أي شخص أن يبدي رأياً سواء مدحاً أو قدحاً، وهذا يحصل في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي دون مساءلة على رأي، فحق إبداء الرأي مكفول للجميع والفيس بوك وتويتر يشهدان بذلك وهما شهود عدول في هذه المسألة، ولكن المحتسبين في كل مرة يقعون في مشكلة عويصة تأتي نتائجها عكسية عليهم وعلى هدفهم وعلى من حمسهم وزاد لديهم من نسب الاحتساب وطريقة تنفيذه حتى وصل لدرجة الغلو والتشدد! فمعرض الكتاب يوجد فيه مكتب لهيئة الأمر بالمعروف والمنكر، وهي الجهة المخولة من الدولة رسمياً، وإذا كان للهيئة في المعرض وجود مكثف، فظهور المحتسبين بهذا الشكل يشكك للوهلة الأولى في أداء الهيئة وأن رجالها مقصرون بواجبهم! وهو أيضاً تشكيك في كفاءة وأمانة كل العاملين من المشرفين على المعرض، وتشكيك أيضاً في أهلية وتدين رواد المعرض من المواطنين! وهجوم المحتسبين السنوي يعني أن هناك تجاوزات تقع في المعرض ومئات الآلاف من المواطنين من رواد المعرض ساكتون عنها أو مشاركين فيها! وأنه لن ينجي الأمة من هذه التجاوزات إلا مجموعة قليلة أخذوا على عاتقهم إيقاف هذه التجاوزات بكل الطرق الممكنة حتى وإن حصل ذلك بالمواجهة! هذا رأي بشكل عام على ما يحدث من المحتسبين في كل عام، لكن الأمر الذي حدث هذا العام لا يمكن توقعه ولا يمكن أن يخطر على قلب بشر سواء في المعرض أو خارجه!! وهو تأييد المحتسبين لأفعال داعش، وإن حصروه في مسألة تدمير الآثار التي سموها أصناماً ولم يسمها الصحابة بذلك عندما وصلوا لتلك الأماكن، ولا التابعون وتابعو التابعين وكل أجيال المسلمين من بعدهم، لذلك بقيت كما هي دون أن تمس بسوء! لكن القضية تبدو أخطر من الوصف والتسمية والخلاف عليها.
فالخوف أن يكون هناك تعاطف وتماهٍ مع الدواعش وأفعالهم أظهره للسطح تطرق المحاضر لمسألة تدمير الآثار! وكأنهم في ذلك يقولون نحن مع غزية إن غوت وإن ترشد غزية نرشد!! لقد كان للدواعش جرائم تخالف الإسلام استنكرها ويستنكرها المسلمون، فكيف وصل الأمر بالمحتسبين أن يعلنوا على الملأ تأيديهم لفعلة من أفعالهم الشنيعة! وهنا نتساءل لو قام بذلك الفعل جيش الاحتلال الأمريكي للعراق أو عناصر الاحتلال الإيراني فهل سيكون للمحتسبين الرأي نفسه وبدرجة الحماس نفسها والتأييد؟! إن تأيد تدمير داعش للآثار في جانبه الآخر تنديد وشجب لترك الصحابة والتابعين لهذه الآثار! هل وصل بنا الأمر لنجد من يعيش بيننا ويعلن لومه المبطن للصحابة والتابعين وتأييده لمن يتنافسون هم وجحافل الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في سوريا على سفك الدماء! إنها سقطة لا تغتفر كشف سرها المعرض وأثبت أن بيننا من ليس بينهم وبين الدواعش ما يفترض أن يكون من الخلاف العقدي. هذا الموقف بالتأكيد أنه أسعد الدواعش وحق لهم أن يرسلوا برقيات الثناء والشكر للمحتسبين على موقفهم المساند والمؤيد، وكنا نربأ بالإخوة المحتسبين أن يكونوا مع أولئك في الخندق نفسه الذي حفروه لأنفسهم ولن يخرجوا منه.