د. خيرية السقاف
هناك عند المنعرج المفضي لزاوية بيت الجيران، تتكوم الحشائش الصفراء,..
يركن الهواء في زاوية سور بيتهم هادئاً يتكسّر بعد أن جاء بها....
هناك حزن الشجرة المطلة على أول الطريق..
بعد أن تتلاشى أوراقها منها لتكون كومة هادئة في منفى الزوايا..
جارنا كلما خرج من بيته، أشارت يده بأصابع كفه المتحركة بحدة للسائق أن أزيلوا كومة الحشائش من هنا...!
جارنا لا يصغي لأنين الريح المكتوم، ولا لنوح الشجرة الفاقدة...!
ولا لوحشة الحشائش الهامدة..
ولا لحداء الريح المجرَّح..!!
جارنا يريد أن يزيح الكوم الجاف الذي لا يرى فيه غير «بقايا أوساخ»,..
هذا الذي كان أخضرَ يرطب هواء الشارع في حره.., ويظل العابر في رهقه..!!
زاوية بيت الجار تسمع..، تحس, تنطوي على وجعهم معاً: ركنها الموحش, وصمت الهواء, وأنين الورق الجاف..!!
لكنها لا تملك إلا أن تكون المحضن, الملجأ, المأوى..
وبكل مرادفات الكلمة في احتواء بقايا الشجرة المطلة بأحزانها.. وغربة الأسوار..!
الزوايا الأخرى في الشارع لبيوت الجيران على حواف المسارب, والمنعرجات تأوي ما تحمله الريح, ما ينقله الهواء.. وتتبوتق..!!
صوت الجار, والآخر.., والقادم من عميق بآهات هادئة لكنها كنصل السكين..
كلٌّ يعبر عن مكنونه تجاه البقايا تلك..,
وهي تتكلم,.. وهي فتات متكسرة.., مصفرة جافة.., متربة أهلكها عبث الرياح، وسطوة الهواء.. ومقشة لا مبالية..!
مع أن الهواء، والرياح تنقلها، تزج بها في أركان الزوايا، لكنها لا تدري عن مكنون الإنسان المُضْمِر كلما مر بها, أن يطهر زاوية بيته منها..!!
حتى القطط الشاردة لا تقف عندها, إلا متى اندست فيها حشرة، أو لمَّت جسد عصفور نفقَ من العطش, أو داهمته أنيابها..!
ورق الشجر حين يغدو جسداً جافاً,..
وحشائش مفرطة في الترابية..
يخرج بكله من ذاكرة الدعة..، وبهجة الدهشة..
ومتعة الإنسان بنعيم لحظات رغده ومتعته..!!
غير أنه المتنصل منها حين يعلو صوت أنينها كالذي في أذني الآن, وأنا أسمع صوت جاري ينهر سائقه:
أزيلوا هذه عنا..!!