محمد سليمان العنقري
قبل أشهر قرر مجلس صندوق التنمية العقاري إلغاء المدة المفتوحة لمن تصدر لهم موافقة القرض العقاري وتحديدها بعام واحد للاستفادة من القرض وفي حال رغبة المستفيد تأجيل قرضه فعليه أن يتقدم بطلب التأجيل قبل انتهاء مهلة العام حتى يتمكن من الاستفادة منه في حال كان جاهزاً وسيكون له الأولوية عند طلبه للقرض مجدداً أي لن تطول فترة انتظاره أما إذا لم يتقدم بطلب التأجيل
.. فسيعلق طلبه آلياً ولكن عليه أن ينتظر لمدة ليست معلومة إذا طلب الاستفادة من القرض وبرر الصندوق هذا الإجراء بأن وجود عدد ضخم ممن صدرت لهم موافقة ولم ينتفعوا من القرض أثر على قوائم الانتظار فالهدف هو تدوير هذه القروض المعلقة لكي ينتفع منها غيرهم.
أما سبب عدم استفادة من صدرت لهم موافقة القرض فباعتراف وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقاري هو ارتفاع الأسعار فقبل أيام أعاد مدير عام الصندوق المهندس يوسف الزغيبي التأكيد على أن من صدرت له موافقة لن يفقد حقه بالقرض سواء طلب تعليق قرضه أو لم يطلب مؤكداً على الميزة التي يستفيدها من يطلب تأجيل قرضه إذا لم يكن جاهزاً حالياً بأن له الأولوية مستقبلاً عند طلبه لقرضه وهنا سأنقل جزءاً من تصريحه الذي نقلته صحيفة اليوم حيث دعا المهندس الزغيبي جميع المواطنين المشمولين بهذا الإجراء إلى «تفهم ما قام به الصندوق وعدم القلق أو الانزعاج وبالتالي الاستعجال وإرباك السوق بالحصول على أي وحدة سكنية لتطبيق القرض عليها».
أما معالي وزير الإسكان فقال تحت قبة مجلس الشورى قبل أسابيع في الجلسة التي خصصت لمناقشة ملف الإسكان بأن أسعار الأراضي ارتفعت خلال سبع سنوات عشرة أضعاف وأكبر دليل حسب ما ذكر قوائم من صدرت قروضهم ولم يستطيعوا الاستفادة منها في إشارة لا تقبل التأويل أن ارتفاع أسعار العقار السبب بعدم استفادتهم من القرض، وبمقارنة تصريح مدير الصندوق المشار إليه بطلبه لمن صدرت لهم موافقة عدم الاستعجال بتطبيق القرض على الوحدة السكنية حتى لا يربكون السوق يظهر فيه تناقض كبير فكيف تحددون مدة الاستفادة بعام وتطلبون عدم الاستعجال بالشراء وإرباك السوق فالمدة المحددة قصيرة وستؤدي حتما لضخ أموال القروض بما يربك السوق بالوقت الذي ترى فيه وزارة الإسكان التي بات الصندوق منذ أربعة أعوام تابع لها بأن أسعار العقار مرتفعة مما يعني أنها تهدف بحكم مسؤوليتها إلى الوصول بأسعار العقار إلى مستويات عادلة ومناسبة أي أن تصحح الأسعار وتهبط إلى مستويات تمكن شرائح المنتظرين لتملك السكن فهذا التناقض في توجهات الوزارة والصندوق من خلال آلية القرض الجديدة لا تخدم المستفيدين من القرض ولا تحسين واقع السوق العقاري بالمدة الزمنية المطلوبة لتصحيح التشوهات التي يعيشها.
ومما يلفت النظر بتصريح مدير الصندوق العقاري قوله بأنهم وجدوا شرائح على قائمة الانتظار لديها القدرة على تملك السكن ولذلك ارتأوا تحديد مدة عام للاستفادة أو التأجيل ليتمكن المنتظرون من الحصول على القرض وهذا يثير الاستغراب لأن الصندوق عند تقديم الطلبات له لا يلتفت للمقدرة المالية لصاحب الطلب حسب ما هو معروف فهو صندوق حكومي غير ربحي أساساً ويحق لكل مواطن التقدم له دون تحديد شروط كأن يكون موظفاً أو له دخل معين فكيف تمكن الصندوق من فرز لمئات الآلاف من الطلبات على قوائم الانتظار لكي يعرف صاحب المقدرة الجاهز لتملك السكن من عدمه فآلية صدور الموافقات تعتمد على أسبقية التقديم وليس على الجاهزية لصاحب الطلب وبذلك فأي قوائم ستصدر سيكون فيها من لن يتمكن من التملك نظراً لارتفاع الأسعار السبب الرئيس في مشكلة من لم يستفيدوا الى الآن وهم بعشرات الآلاف مما يعني أن المشكلة ستستمر بعدم الاستفادة للبعض وبنسب ليست بالقليلة.
فمن الأجدى أن يكون التفكير بمعالجة التعامل مع السبب لعدم الاستفادة من القرض وليس ضغط السوق والمواطن مما سيفاقم من مشكلة قدرته على تملك سكن لا يرهقه بالقروض الإضافية من البنوك التجارية أو مؤسسات التمويل العقاري التي اعتمدت كنظام مساند ظاهرياً لمن صدر له قرض لكنه بالحقيقة عبء اضافي عليه لعقود من الزمن ومن الممكن أن يتخذ الصندوق إجراءات مختلفة لا تؤخر الاستفادة من القرض ولا تربك السوق ولا المواطن ومنها على سبيل المثال.
أولاً - يجب أن نعترف بأن مدة عام غير كافية لمن صدرت له موافقة فلو أراد البناء وكان متملكاً لأرض فهو سيحتاج جزءاً كبيراً من المدة لإصدار تراخيص البناء وعمل المخططات والعديد من الإجراءات وإذا لم يكن متملكاً لأرض فهو سيحتاج مدة طويلة حتى يجد منزلاً جاهزاً مناسباً أو أرضاً مما يعني بالضرورة أن تكون المدة على الأقل عامين وهي التي كان الصندوق يشترطها قبل إلغائها والتحول للمدة غير المحددة التي أيضاً ألغيت مؤخراً.
ثانياً - بما أن الصندوق يعطي فترة إعفاء من السداد عامين لمن استفاد من القرض فلماذا لا تصبح ميزة لمن يحصلون على قرضهم بمدة العامين الأولين إذا عدلت، بينما من يتأخر عن المدة يفقد هذه الميزة ويصبح ملزماً بالسداد من تاريخ استفادته من القرض ويمكن أن يوضع سقف زمني لها بعامين إضافيين لتصبح أول وثاني شريحة من المدة أربع سنوات أما من يستفيد بعدها من القرض فيمكن أن يلزم بالسداد فوراً وتتقلص مدة استرجاع القرض إلى 20 عاماً بدلاً من 25 عاماً الحالية.
ثالثاً - يمكن للصندوق أن يتعامل بنسب السداد حسب الدخل بما أنهم ذكروا ما يفيد معرفتهم بدخل المتقدمين مما يتيح استرداد أموال أكثر مما هو قائم حالياً فمن غير المعقول أن يعامل من كان دخلهم أقل من خمسة أو عشرة آلاف بمن هم أضعاف هذه الأرقام بمبلغ السداد على أن يبقى التعامل مع من ليس له دخل ثابت بالمبلغ المعتمد حالياً.
رابعاً- من المهم أن يفكر الصندوق بالتعامل مع القطاع الخاص بتحويل من يرغب بشراء وحدة سكنية إلى شركات التطوير العقاري وفق اشتراطات لا ترهق كاهل المستفيد إذا رغب بذلك أي ليس إلزامياً إنما من باب مساعدته على التملك بسرعة أكبر دون إرباك للسوق لأن الأسعار ستكون محددة مع المطورين وسيلعب ذلك دوراً كبيراً بتنشيط السوق بحركة البناء والتطوير مما سيحد من وجود أراضٍ بيضاء بنسب كبيرة.
الصندوق العقاري أضاف الكثير من الخيارات الجيدة أمام المستفيدين خلال السنوات القليلة الماضية لتسهيل تملك السكن لكنه بحاجة أكثر لفهم واقع السوق العقاري والتكامل بالتعامل مع وزارة الإسكان على تحويل القطاع العقاري لصناعة تخدم كل الأطراف وتنعكس على الاقتصاد والمواطن بالفائدة الكبيرة وتزيل هذه التناقضات بالرؤية والتوجهات بينه وبين وزارة الإسكان التي تتضح من تصريحاتهم فهم متفقون على أن الأسعار مرتفعة واثرت على قرارات من صدرت لهم موافقة القرض بالإحجام عن الاستفادة منه ولكن ما نراه من تباين بالقرارات خصوصا مدة العام للانتفاع من القرض لا تخدم استراتيجية الإسكان المنتظر صدورها ولا المواطن الذي يريد حلولاً مناسبة لتملك السكن لا ترهقه وتؤثر على مستوى معيشته سلباً فإنفاق الفرد أحد أهم عوامل التأثير بأي اقتصاد وإذا تقلص فسيؤثر على النمو الاقتصادي بالتراجع وسيتبع ذلك تأثيرات سلبية على تدفق الاستثمارات بمختلف القطاعات والأنشطة التجارية ويزيد من الأعباء على الخزينة العامة خصوصاً بحجم الدعم المقدم للسلع والخدمات.