د.محمد الشويعر
ما من أمة إلا تعاطى أفرادها, الطب منهم المقل ومنهم المكثر ويتناقلونه بينهم, ليستفيد الآخر, من الأول, وقد تستفيد منه, وتأتي الحكمة المتعارفة, عند العرب وهي مقالة عند العرب: بالزيادة والاتقان: بأن للأول فضل السبق, وبالتالي فضل الإجادة والزيادة والاتقان.
وهكذا صار الميدان وستبقى البشرية في هذا الميدان وخاصة في الطب البشري, إلى أن يشاء الله. وللعرب إجادة بعد ما فتح المأمون الخليفة العباسي دار الحكمة في بغداد, وصار يجري للعالمين فيها. وبوجه خاص للمسلمين واليهود الذين درسوا العلوم الطبية, وامتهنوه، ودخل هذا الميدان علماء توارثه, فكانت الفرص ميداناً دخله أبناء الأمم المغلوبة؛ إذ صاروا يتسابقون فيه.
ولما كان الموضوع واسعاً فإنني سأقتصر على ما يتسمى في العصر الحاضر, بالتشريح -أي وظائف الإنسان في الجسم وأجزائه, وسألتقط المعلومات من التسليمات الإسلامية, من أحد الشيوخ حيث علماء في العصر العباسي, وجزء من العصر الأموي إنه الشيخ: ابن القيم, وهذا الكتاب الذي سماه مؤلفه التبيان في أقسام القرآن للعلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر: المعروف بابن قيم الجوزية المتوفى سنة 751هـ.
ويقع في 431 صفحة، وحققه وصححه أحد علماء الأزهر الشيخ: محمد حامد الفقي.. وهو من القطع المتوسط, حيث طبعته دار المعرفة في بيروت، لبنان. وسوف نلم بفقرة من جزئيات هذا الكتاب وهو من 134 فصل:
والرأس يقال بالعموم, على ما يقله العنق بجملته, ويقال بالخصوص على الفروة، وهي جلدة الرأس, حيث منبت الشعر, والجمجمة العظم الذي يحوي الدماغ, وهي مؤلفة من سبع قطع متقابلة تسمى القبائل, وتسمى مواضع التآليف شئوناً ووسط الجمجمة الهامة، وحدّ الهامة من الجانبين: قرن الرأس، وحد الهامة من المقدم اليافوخ, ومن المؤخر القمحدوة, وهي ما يصيب الأرض من رأس المستلقي, على ظهره ولها ثلاثة حدود، نقرة القفا، والقذالان.
فنقرة القفا حدها من آخر الوسط، والقذالان جانبا النقرة, وقد تقدم تفصيل القبائل السبع, وسنظهر الجمجمة عما يحيط بها: السمحاق, وسطها غشاوتان: إحداهما تلي الجمجمة وهو أثخنهما وأصلبهما, والآخر يكتنف الدماغ ويحيط به ويخالطه، ويقال لكل منهما: أم الدماغ ويسميان الأمان, ومنة الآمة والمأمومة التي فيها ثلث الدية, وهي الجراحة التي تبلغ أم الدماغ، ويقال لها: تجويف الدماغ.
وبطن وهي ثلاث بطون, وبين بطني الدماغ اللذين في مؤخره, ووسطه مجرى فيه قطعة من الدماغ مستطيلة شبيهة بالدودة ينسد ذلك المجرى وينفتح بها وتحت الدماغ سبلة مبسوطة مؤلفة من عروق ضوارب يتولد منها روح نفساني ينفذ إلى البطنين اللذين في مقدم الدماغ.
وفي الدماغ البركة, والحوض والقمع والدودة والبطون والأغشية ومبادئ الأعصاب ويحتوي الدماغ على ثلاث خزائن نافذ بعضها إلى بعض وتسمى بطوناً فالأولى في مقدمة تنقسم إلى قسمين والثانية في وسطه والثالثة في مؤخره جوهر الدماغ مخي متزرد الشكل، كأنه زرد مجموع.
والروح النفساني, مثبت في خلل الزرد والدماغ مقسوم في طوعه لنصفين متضامين والتنصيف في مقدم الدماغ أظهر والغشاءان يدخلان في فصول الدماغ وتزريده والصلب منهما يدخل بطوناً بين جزءي البطن المقدم فيحجز بينهما وتحته مصفى كالبركة تسمى المعصرة تصب في العروق الدم المنضج وتنبعث في جداول تسقي المبطن المقدم وتجتمع إلى عرقين كبيرين يحملان الدم إلى البطن الأوسط والمؤخر.
والبطن الأوسط كدهليز ومنفذ بين المقدم والمؤخر، وسقفه معقود كالأزج والدماغ موضوع طولاً على زائدتين متقاربتين فيتماسان ويتباعدان إلى الانفراج فيفتح الدهليز ويتراءى البطنان المقدم والمؤخر.
والجزء المؤخر أخفى تدويراً من المقدم وأصغر زرداً وهو كرى الاستطالة ويستدق على التدريج حتى يسيل منه النخاع كالجدول من العين.
وفي الدماغ مجريان: أحدهما في آخر المقدم والمؤخر في الأوسط لدفع فضوله ويجتمعان عند منفذ واحد عميق أولهما في الغشاء الرقيق والآخر في الغشاء الصلب يأخذ إلى ضيق كالقمع.
ولما كان الدماغ مبدأ حركات البدن إلى إرادته، ولم يكن به حاجة إلى الحركة القوية فحوط عليه بسور من عظام بخلاف المعدة والكبد والرحم وسائر آلات الغذاء فإنها لما احتاجت إلى أن تتسع وتمتلئ بالغذاء فتحمل مرة بعد أخرى. وأن تعصر الفضول فتخرجها، والعظم يمنع من ذلك ويكتفي فيه الفصل وحده فأحيط عليه بسور من عظم. وأما الصدر فإنه لما احتاج إلى الوثاقة بالعظام وإلى الحركة بالفصل ألف الصدر منهما وكان البطن أوسع من الصدر لما يحل بها من آلات الغذاء والتنفس والطحال والمريء وغيرها.