د. محمد عبدالله الخازم
الهيكل التنظيمي لوزارة الصحة - سبق أن كتبت عنه- جعلها من أكثر الوزارات بيروقراطية في العمل الإداري، ويبدو أن الوزراء السابقين كلما جاء أحدهم يريد تطوير العمل الإداري بدأ في تغيير الهيكل التنظيمي ووضع خطط إستراتيجية نظرية. ولأن الهيكل أساساً تم تطويره أو تشويهه في فترة سابقة قريبة، ولأن الخطط الإستراتيجية تكررت وأغلبها فشلت في تطبيق أهدافها، فالمتوقع المطالبة بخطة إستراتيجية حديثة وهيكل جديد!
لن أطالب بذلك! الخطط الورقية والهياكل التنظيمية مجرد رسومات أو حواجز تصنف الأعمال إلى حجر مغلقة يجاور كل منها الآخر، ولكثرة ما تردد مصطلح الإستراتيجية في أروقة وزارة الصحة على مدى عقدين من الزمان، مللناه ولم نعد نثق به كثيراً! العمل في القطاع الصحي أكبر من مجرد هيكل ورقي، ونجاحه يتطلب فهم التداخلات ذات الطبيعة الشبكية المعقدة. التواصل والنقاشات وأخذ القرارات التي يؤمن بها القادة في القطاع ويستطيعون تنفيذها هو الأهم، والقائد المتميز من يخلق للهياكل الإدارية روح دينامكية تتجاوز الحواجز البيروقراطية المرسومة على الورق.
لقد أدرك ذلك الأمر أكثر من وزير فبدأ الوزير الأسبق فعلاً في تكسير ذلك الرسم البيروقراطي الوهمي بشكل مباشر دون اكتراث برد الفعل البيروقراطي. ومثله الوزير السابق بدا مدركاً للأمر. ربما الاختلاف كان حول الطريقة والأسلوب المستخدمين لمعالجة ذلك الأمر، فهناك من يرى أن ترميم البناء بتأني أفضل وهناك من يرى بأن الإتيان (ببلدوزر) وهدمه وإعادة بناءه من جديد أفضل. بدا لي أن أحدهم أتبع سياسة البلدوزر وأخر حاول استخدام سياسة الترميم بهدوء، فأي الطرق سيستخدم الوزير الجديد؟
بغض النظر عن الطريقة، أحياناً العمود المائل لا يصلح ترميمه لأنه سيبقى مائلاً، وإحلاله بعمود حديث أجدى من إضاعة الوقت في محاولات إصلاحه. وزارة الصحة تحولت في فترة سابقة إلى شبه ضمان اجتماعي لفئة من الأطباء البيروقراطيين. يقضي البيروقراطي الذي أساس خبراته المهنية والإدارية متواضع بحكم عدم عمله في مستشفيات متقدمة وعدم تدربه في دول ونظم متقدمة وعدم حصوله على مؤهلات إدارية أو مهنية متقدمة، سنوات في مديرية الشؤون الصحية بإحدى المناطق حتى يمل منه الناس وتكثر الشكوى حوله أو يطالب أمير المنطقة بإبعاده فيتم ترقيته ليكون مديراً عاماً أو وكيلاً مساعداً أو مستشاراً بديوان الوزارة. ولضمان راتب الضمان الاجتماعي - أقصد البدلات الطبية التي يحصل عليها دون استحقاق بحكم عدم ممارسته الفعلية لمهنته الطبية- يتم وضعه على رأس الوكالة/ الإدارة مكلفاً.
لست بحاجة يا معالي الوزير إلى أولئك البيروقراطيين لإدارات الأسرة، علاقات المرضى، المستشفيات، المجالس الصحية، التشغيل الذاتي، التدريب، حقوق الموظفين وغيرها من الإدارات/ الوكالات التي اعتلى مقاعدها البيروقراطيين على مدى سنوات طويلة. هؤلاء هم الحلقات الوسطى المعيقة لأي تقدم ولم يصل إليهم مشرط الوزراء السابقين، فلا تتردد معاليك في إنهاء تكليفهم مع خطابات الشكر لهم وإقامة حفلات التقاعد لمن لم يعد بإمكانه ممارسة مهامه الطبية. أغلبهم مكلف فلا تخدعك سنوات الخبرة والتنميق الكلامي وتزكيات الإخوة الكبار لهم بالوزارة، فكل إنجازاتهم عبر السنوات هو إدارة العملية البيروقراطية ولم يكون أغلبهم قادر على استيعاب وتنفيذ الأفكار والتوجيهات التي أتى بها وزراء الصحة السابقين. تلك قدراتهم فلا نتوقع منهم إبداعاً أكثر مما قدموه!
سأقيس نجاح وزير الصحة في عامه الأول بقدرته على تحويل ديوان الوزارة إلى خلية إدارية رشيقة يسكنها أصحاب الفكر الحديث والمتطور إدارياً وصحياً ويستبعد منها أولئك الذين أصبح المنصب الإداري لهم ضماناً يتنقلون به من منطقة لأخرى ومن إدارة لأخرى، وبعضهم يتولى إدارات تعتبر زوائد بيروقراطية يئن بها الجسد الإداري لوزارة الصحة.