د. محمد بن عويض الفايدي
الرؤية السعودية تجاه خطر الإرهاب تبنّت الاستشراف منهج استشعار لحجم التهديد المدمر الذي تنطوي عليه الأحقاد في نفوس أرباب الفكر المتطرف المنغلق على فئة منبوذة من مجتمعاتها، ولم تجد القبول تحت أي ظرف تستغله أو دعاية مغرضة تبثها. فضلاً عن الشعور باليأس والانهزامية التراكمية.
التهديد الكلي الذي استهدف معطيات التنمية واقتصاديات الدول ودمر منجزات المجتمعات، هو نفسه الإرهاب الذي يقتل الأنفس المعصومة دون مقدمات أو ذنب يقترف، وهو الذي يهز العالم بممارسات بشعة مجردة من الأديان والقيم والمبادئ الإنسانية.
يظل الإرهاب هو الإرهاب القتل من أجل القتل تبريراً لضغائن وأحقاد ظالمة، عظم الإمعان في الطغيان، تبرير غاية القتل، وهدف التدمير بحجج واهية، ظاهرها رفع الظلم ونصرة المظلوم وباطنها إزالة الدول وإزاحة الأنظمة الحاكمة، تديرها تنظيمات مغرضة بذرائع مختلفة شوّهت كل شيء لأغراض بسط نظام حكم وخلافة أيديولوجية تتهاوى حججها وتتبدد أوهامها في وحل التضليل وانحراف المنهج.
بتاريخ 5 شوال من 1435هـ وجّه المغفور له بإذن الله الملك عبد الله بن عبد العزيز نداء للعالم، أوضح الرؤية الوطنية ضد الإرهاب في خطاب تاريخي موجّه للعالم والعلماء، تضمن استراتيجية شاملة بخطة عمل وآليات تنفيذ في توجه وطني يتبنّاه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز «أيّده الله»، يستلزم العمل الدولي الجماعي المشترك لمواجهة خطر الإرهاب والتصدي لعناصره وتنظيماته بعمل موحّد ينطلق من مسؤولية تاريخية مشتركة، تضع الخطط وتطور الوسائل وتبتكر الأساليب وتضع قواعد وأُسساً تضامنية للتعاون الدولي لمواجهته بكل عزم وحزم.
الإرهاب بأبشع صوره بتاريخ 14 ربيع الأول، يعتدي بيد غدر وخيانة على حراس حدود المملكة من حرس الحدود بمنطقة الحدود الشمالية بمركز سويف، ليتحطم على المعصم الفولاذي للأمن السعودي السلوك الإرهابي الإجرامي، ويستشهد في ملحمة صده وإفشال تخطيه الحدود، ثلاثة من رجال الأمن الذين سطروا أروع ملاحم الشجاعة والبسالة المتخطية لكل حبائل السوء والمكر والخديعة، ليظل داخل المملكة محفوظاً بحفظ حدودها.
بتاريخ 6 رمضان من عام 1435هـ استشهد أربعة من رجال الأمن تمكنوا من صد الهجوم الإرهابي الغادر على الحدود الجنوبية للمملكة. في حين توسط الحادثتين عملية الدالوة الإرهابية بالمنطقة الشرقية في منتصف محرم من عام 1436هـ، ليستشهد بها أحد منسوبي الحرس الوطني وستة من المواطنين بينهم أطفال، في مشهد هدفه إشاعة الذعر والترويع، بأجندات معادية تعيش وهم الإفساد وبث الفرقة وإشاعة الطائفية، لتمزيق الوحدة الوطنية وزعزعة الاستقرار وتبديد منجزات التنمية الوطنية، وإعاقة التلاحم الاجتماعي والتقارب المجتمعي الذي بددته ملحمة البيعة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز «يحفظه الله»، وإعادة إنتاج اللحمة الوطنية بقوة علنية من كافة أطياف المجتمع السعودي المتلاحم.
المواطن السعودي يدرك الاستهداف المعادي والشعارات الزائفة التي لم تُنقذ دعاتها من مصيرهم البائس في مشاهد علنية، فضلاً عن الذل المستتر الذي ما يلبث أن يتكشف، ليتضح معه الزيف والإفلاس المادي والمعنوي لتنظيمات الإرهاب المتردي، في سوء المصير ونتائج الأفعال الخائنة لكافة المعاني الحسية والمعنوية.
داعش والجهاد والنصرة اشتقاقات قاعدية، وأبو مصعب الزرقاوي وأبو محمد الجولاني ومحسن الفضلي والبغدادي. خلاصة ذلك تنظيمات مغرضة ومسمّيات حركية جوفاء أساءت للدين، وأحدثت تشوهات تراكمية في واجهة الإسلام وقبول المسلمين في منظومة الشعوب الأخرى، أحدثت تحولاً جذرياً من الاطمئنان المطلق للمسلم إلى خوف مُرهب من المسلم رسخ الوجل وعظم الخوف. هذا التحول في النظرة الوجلة من المسلم، أسهم في تشكل صورة سوداوية عن الإسلام وأهله، لتظل نمطية مظلمة لدى الغرب والشرق، تعلن في سياق النظرة العابرة إلى المسلم بأنه مصدر خوف وقلق، بعد أن كان واحة طمأنينة ولوحة سلام ثمن بخس قبضته تنظيمات مغرضة لا تضيف للأمة إلا ما هو أدنى.
التحول في منهجية المعالجة أضحى حتمياً لمن له السبق. العمق الأمني فضاء عالمي لضمان سلامته على الجهود الوطنية والخليجية والدولية أن تلتقي من أجل الوصول إلى بؤر التدعش في مواقع التفريخ، لنزع فتيل محاضن الإنتاج ومنع تصدير المنتج برده لمنتجيه بالاستفادة القصوى من معطيات التقنية المتقدمة، ومراكز البحوث والدراسات، ومن التكتل الدولي وجهود الهيئات والمنظمات الدولية ضد الإرهاب، وبتدابير التوسع في عقد المزيد من الاتفاقيات والمعاهدات، وتوسيع دائرة التحالفات من أجل تجفيف المنابع وقطع كافة خطوط الإمداد، برؤية تدحر الإرهاب والأفعال الإرهابية، بعيداً عن حدود المملكة، ضمن خطة عالمية متكافئة تضمن تحقيق الهدف المشترك للعالم أجمع هدف تحقيق الأمن والسِّلم الدولي، وضمان الاستقرار العالمي الذي تنشده الشعوب وتتطلع إلى تحقيقه بتوحد الرؤى وتضافر الجهود.