د. عبدالعزيز الجار الله
جاء للوزارة الحالية وأيضاً الوزارات السابقة وزراء من القطاع الخاص ومن المستثمرين، وكان يُنتظر منهم المساهمة في تطوير أنظمة ولوائح قطاع الدولة عبر المقاربة في بعض الإجراءات، وأن تنعكس تجربة القطاع الخاص على أداء العمل الحكومي، بخاصة أن بعض الوزراء قد حققوا نجاحاً فيما يديرونه من أعمال، إن كانوا من بيوت المال أو إدارة شركات كبرى.
كانت الشخصية النمطية لبعض الوزراء والقيادات في جهاز الدولة هي الشخصية ذات الهيئة الرتيبة والروتينية - هذا ليس سلباً - المشبعة بالأنظمة والقانونية وحفظ اللوائح والتعاميم، الشخصية التي لا تحيد عن الإجراءات النظامية، حتى سادت عبارة «حسب النظام»، رغم أنه لا يوجد حينها نظام مكتوب، إنما هي إجراءات تمارَس أو تعاميم داخلية، كذلك عبارات «حسب المتبع»، «وفق الإجراءات المعمول بها»، «وفق الضوابط»، «بما لديكم من تعاميم» و»أسوة بزملائه».. والعبارات الغامضة كـ»حسب المفاهمة و»حسب ما تم الاتفاق عليه». هذا يدلل على الحرص على الانضباط وتطبيق النظام، لكنها كانت مقيدة للتطوير والإبداع؛ لأنها محكومة بضوابط عامة واشتراطات تطبقها معظم أجهزة الدولة، خاصة إجراءات: المشتريات، المناقصات، المصروفات والمشروعات.. ونتج منها الثبات، وعدم التطوير، كما أنها أفرزت: كثرة التحايل، التجاوزات الإدارية، تعثر المشروعات، التباطؤ في الإنجاز وتأخير استلام المشروعات.
تعلمنا من خلال تعاقب الدورات الاقتصادية (الطفرة) التنموية الأولى والثانية أن هناك تعاقباً بين طفرة، وبين ركود وكساد، وأن النجاح الحقيقي يكمن في: التغيير العاجل في القيادات غير المتفاعلة، وسرعة الإنجاز. ولنا في ذلك أمثلة عديدة من مسؤولين لم يعرفوا كيفية استثمار الطفرة، وبقيت أجهزتهم بلا حراك أو تطوير، ووزراء استثمروا الطفرة؛ وأنجزوا في سنوات قلائل ما يمكن إنجازه في عشرات السنين.
كما أدركنا من خلال التجربة أن السرعة في تغيير القيادات في قطاع الخدمات (تغيير العناصر الراكدة غير المتفاعلة ذات الأداء المنخفض) حماية للتنمية وتعجيل في سرعة الإنجاز. نحن في هذه المرحلة نجمع بين تجربتين لقيادات جاءت من دوائر العمل البيروقراطي وأخرى جاءت من دورة عمل القطاع الخاص أو أعمال الشركات شبه الحكومية، التي تتمتع بالمرونة الإدارية والمالية وسرعة التنفيذ.. فهل نشهد مزجاً على مستوى الأنظمة بين بيروقراطية الدولة مع (رشاقة) القطاع الخاص، ونحصل على (توليفة) مهنية إجرائية، تُكسب القطاع الحكومي خاصية المرونة الإدارية والمالية من أجل سرعة الإنجاز التي أصبح فيها التعطيل والتعثر والتباطؤ سمة ارتبطت بمشروعاتنا؟