فوزية الجار الله
ياللسنين كيف مضت؟
منذ زمن لا يقل أمده عن عشر سنوات كنت أعمل في أحد المرافق الحكومية التابعة حديثاً لوزارة الصحة، عملت فيها لبضعة أشهر ثم بدأ تحويله إلى التشغيل الذاتي فبدأت معاناتنا نحن الموظفات والموظفين الحكوميين، وهذا ليس بالأمر الجديد فقد رأيت العجائب خلال عملي في وزارة الصحة، ربما تحدثت عنها يوماً.
خلال تلك الفترة، توقف العمل، أصبحنا نذهب ونعود إلى الدوام ونقضي ساعات بلا عمل وقد اكتشفنا الإنترنت منذ سنوات قلائل واكتشفنا موقع «طرب» الذي يمكننا من خلاله الاستماع إلى منوعات من الأغاني، كانت تعمل معي في المكتب شابة صغيرة تعمل سكرتيرة مساعدة بعضاً من أوقات النهار وقد أطلعتني على ذلك الخبر الجديد.. طلبت منها أن تعلمني شيئاً مما تعرف وقد شرعت يومياً باختيار عدد من الأغاني ووضعها على سطح المكتب.
في أحد الأيام فوجئت باتصال داخلي من المكتب المجاور لمكتبي، حيث يعمل مسؤول يتميز بالخلق الرفيع والرقي في التعامل بعد ديباجة السلام والسؤال عن الأحوال، قال لي صوت الأغاني مرتفع قليلاً يصلني هنا حبذا لو خفضتم الصوت قليلاً.. شعرت بشيء من الحرج لكنني تداركت سريعاً مبررة هذا الوضع الغريب في العمل:
يا أبا فلان قتلنا الفراغ والملل ونحن بانتظار العمل لذا فقد رأينا الترويح عن أنفسنا قليلاً، رغم أننا حاولنا قدر الإمكان خفض مستوى الصوت احتراماً لموقع العمل ولم نعلم أنه وصل إلى المكتب المجاور، حينها كانت ليلى مراد تردد «الحب جميل للي عايش فيه، له قلب دليل إسألوني عليه» بلحنها القديم الجميل المعروف في أحد أفلام الأسود والأبيض.. أجاب بابتسامة تخيلتها من وراء الهاتف: إذن حاولوا تحديث أغانيكم قليلاً!
في عالم الإبداع، يحدث أن يتألق أحدهم أو إحداهن، يرسم وجوده وحياته عبر اللون أو الكلمات، يتدفق عطاء فيملو الفضاء، هو معنا دوماً نجده حولنا يصبح مألوفاً لحواسنا، مثلما نألف الصباح والمساء، يبدو لنا أو ربما لبعضنا كما وهج الظهيرة ساعة وأحياناً كهتان المطر، قد نختلف حوله بعضنا يؤيّده بشدة وينحاز له وبعضنا الآخر على الطرف النقيض تماماً، هو ضده طوال الطريق، لكن في المجمل هو معنا كأنما هو إحدى سمات العصر أو الزمن الذي نعيشه، هذه الحالة حدثت لبعض الأسماء الشهيرة التي تراوح موقف الثقافة والإعلام منها ما بين تسليط الضوء عليها واحتوائها أو توجيه كثير من الانتقاد واللوم لكل خطوة أو صوت مختلف يصدر عنها.. هنا يصبح غياب مثل هذا الاسم الشهير محيراً، ثقيلاً وربما مؤلماً، وهذا ما حدث للكاتبة السورية الغنية عن التعريف غادة السمان التي قرأت لها في الأسبوع الماضي مقالاً جديداً بعنوان: «قراءات الشتاء حديقة دفء» أتمنى أن يكون بداية لعودة قوية لها، أتمنى.