د. عبدالواحد الحميد
لا أعرف مدى دقة منهجية الدراسة التي أشارت إليها صحيفة الحياة في قياس النزعة الاستهلاكية في المجتمع السعودي. فقد نشرت الصحيفة، نقلاً عن تلك الدراسة، أن السعوديين يملكون داخل بيوتهم أكثر من 900 مليون من الأغراض التي لا يستعملونها وتبلغ قيمتها نحو 370 مليار ريال! من هذه الأغراض غير المستعملة 60 مليون هاتف جوال تبلغ قيمتها 56 مليار ريال، ومنها أيضاً 222 مليون قطعة ملابس وإكسسوارات غير مرغوب فيها تكفي لكسوة جميع الفقراء في العالم!
ربما تكون هذه الدراسة بالغت في تقدير النزعة الاستهلاكية الإسرافية في المجتمع السعودي، لكن لا يمكن إنكار وجود نماذج من الإسراف الشديد، وهو ما نلاحظه ـ على سبيل المثال ـ في الولائم التي تُقام في المناسبات. ففي مجتمعنا لازلنا نخلط بين الكرم والإسراف، وقد يلجأ البعض إلى الاقتراض من أجل إقامة حفل أو وليمة باذخة فوق مستوى دخله، وذلك رضوخاً للأعراف والتقاليد التي يرى أنها تُلْزِمَه بذلك، أو انصياعاً لواجبات الضيافة حين يحل عليه ضيف فيبالغ في إقامة المآدب التي يكون مصيرها في نهاية المطاف حاويات القمامة لأنها تفوق الحاجة عشرات المرات!
وقد نشرت مؤخراً صحيفة سعودية أخرى، هي صحيفة الشرق، أن بعض فائض الطعام في مهرجان «أم رقيبة» خلال شهر واحد قد تم توزيعه على أكثر من اثنين وثلاثين ألف فقير، وربما يكون الفائض الذي لم يُستَفَد منه أكثر من ذلك لأن توزيعه يتطلب إمكانيات كالسيارات المجهزة والأيدي العاملة التي قد لا تكون متوفرة لدى «مشروع جمع فائض الطعام» الذي قام مشكوراً بهذه المهمة!
ومن المؤسف أن هذا البذخ الذي يتناقض مع تعاليم الدين ومع السلوك المتحضر الرشيد يحدث في مجتمع لا يخلو من الفقراء ومحدودي الدخل. فعلى السطح وللوهلة الأولى قد يبدو مجتمعنا غنياً بجميع أفراده ولا يوجد فيه فقراء، وهذه هي الصورة التي يحملها الناس في الخارج عن المجتمع السعودي، وهي صورة غير دقيقة. ففي مجتمعنا قد يتجاور الغِنى مع الفقر حتى دون أن يشعر كثيرون بذلك لأن بعض المحتاجين قد يتعففون ويعانون بصمت أو يحاولون تدبير أمورهم ولكن ليس على حساب كرامتهم.
كيف يمكن محاربة الإسراف والاستهلاك المبالغ فيه والتبذير الشديد وهي مظاهر تتكاثر وتتعاظم في المجتمع رغم اندحار الأمية وتزايد أعداد المتعلمين؟ أظن أننا نحتاج إلى القدوة الحسنة التي تكون نموذجاً ومثالاً، وأن ننتصر على أنفسنا بأن يبدأ كلُّ إنسان بنفسه ويكون قدوة حسنة لغيره.