ضمن سلالة نسل الملك الباني عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- وأحد أبنائه البررة من بين 36 ابناً يمثلون أبناءه الذكور، يكون سلمان بن عبدالعزيز الابن الخامس والعشرين قبله: الأمير فواز، وبعده الأمير ماجد -رحمهم الله- وترتيبه بين أشقائه السادس قبله: الأمير نايف -رحمه الله- وبعده الأمير أحمد -حفظه الله-. ولقد أودع الله سبحانه وتعالى صفات الخير في نفسه منذ نعومة أظفاره وتمايز بين أقرانه بنباهة قادته ومنذ وقت النشأة المبكرة إلى محاكاة والده الملك عبدالعزيز الذي كان له الأثر الكبير في نشأته، فقد كان يهتم بتعليمه وتربيته وأتاح له الكثير من الفرص ليكتسب أشياء جديدة ومعارف جديدة، فتأثر الابن بالأب وبخاصة في أسلوب إدارة الحكم والتعامل مع الناس، كما كان لوالدته الأميرة حصة بنت أحمد بن محمد السديري الأثر البالغ في إثراء جوانب لامست أثرة «التدين» والثوابت الدينية والأخلاقية في نفسه ومنذ الصغر، إذ اهتمت به وبتربيته وتعليمه، حيث كانت تخصص له وأشقائه الأمراء عدداً من العلماء والمشايخ لتزويدهم بالدروس العلمية في قصدها، وكانت -رحمها الله- تتفقدهم وتحرص على إثراء أذهانهم بكل ما يفيد، وتوجههم بشكل مستمر، وهو ما بدا واضحاً في شخصيته اللافتة.
وحيث ولد في 5 شوال 1354هـ الموافق 31-12-1935م بقصر الحكم بمدينة الرياض، فكانت ولادة أحد أهم أركان البيت السعودي الحاكم حيث ورث عن والده الكثير من الصفات القيادية والرجولية الفذة. ولقد تلقى تعليمه تحت إشراف والده المباشر، فدرس في مدرسة الأمراء التي كان يديرها الشيخ عبدالله بن عبدالغني خياط، وكان من أبرز مدرسيه أحمد بن علي أسد الله الكاظمي الذي وصفه آنذاك بأنه محب للقراءة والمعرفة والاطلاع، والشيخ صالح خزامي والشيخ علي حمام.
مقاربة ومقارنة
إن كثيرين ممن عرفوا الملك عبدالعزيز أو قرؤوا عنه أو عاصروه يرون بأن سلمان يماثل والده، ويكون أقرب ما يكون إليه، فهو يقاربه تمثلاً في بهائه ومهابته وطلعته، وفي صفاته وأسلوبه، وحنكته وحكمته، حتى في نبرات صوته الأجش.
ولقد كان لتردده في مجالس والده وحضوره الدائم إلى الديوان الملكي بقصر المربع، واستماعه إلى كبار رجالات الدولة وقتذاك. ولقد لاحظ والده تلك النباهة من ابنه على الرغم من صغر سنه، وكان يوسف ياسين رئيس الشعبة السياسية، وفؤاد حمزة المستشار الخاص للملك ورشدي محلس الموظف بالشعبة السياسية يلاحظون أن الأمير سلمان كان يداوم على الحضور إلى إدارة الشعبة السياسية في قصر المربع، ويتصفح في الأوراق بكل أدب، ويسأل، ويطلع على الصحف والمجالات والتقارير دليلاً على رغبته المبكرة في المعرفة والاطلاع والتي تنامت ملكتها مع الأيام حتى أصبح قارئاً بما بين السطور، بل وناقداً بصيراً، وخاصة في مجال التاريخ، وهو من يقرأ التاريخ بشمولية مع حافظة قوية وفطنة وذكاء، فيصحح، ويوضح، وينقد ويعطي المعلومة الصحيحة ويناقش، ولقد عرفنا عنه ولعه الشديد بالكتاب وانتقاءه له ويقرأ منهم إلى حد «الاستمتاع» على الرغم من كثرة ارتباطاته وتعدد أعماله.. وهو كثير الاستشهاد بالمواقف التاريخية، والمعلومة أطوع له من بنانه.
سلمان.. الإمارة والإدارة
بدأ اضطلاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز بمهام رسمية عديدة قبل أن يعتلي سُدة الحكم ملكاً على المملكة العربية السعودية، وعهد إليه بمناصب إدارية عديدة، ولقد بدأت إسهامات سلمان في الإدارة بشكل رسمي في يوم الثلاثاء 11 رجب 1373هـ 16 مارس 1954م عندما تعين أميراً لمنطقة الرياض بالنيابة وهو ابن التاسعة عشرة من عمره ليبدأ المرحلة الأولى في بناء الفكر والسلوك التنموي والإداري مدعوماً برصيد الخبرة الأولية التي اكتسبها من والده وقدراته المهارية التي وهبها الله عز وجل إياه وفي هذه السن المبكرة، إذ جاء ترشيح الملك سعود له دليلاً واضحاً على نبوغه المبكر وقدراته على تحمل هذه المسؤولية، التي عززها عندما تم اختياره في يوم الاثنين 25 شعبان 1374هـ 18 ابريل 1955م أميراً لمنطقة الرياض تتويجاً لما حققه من جزاله امتياز ونجاح في عمل الإمارة وإدارة شؤونها على أكمل وجه، وفي 7 رجب 1380هـ 25 ديسمبر 1960م استقال من منصبه أميراً على الرياض، وفي 10 رمضان 1382هـ 5 فبراير 1963م عُين أميراً لمنطقة الرياض «للمرة الثانية» أو ما تسمى بالمرحلة الممتدة إلى 9 ذو الحجة 1432هـ 5 نوفمبر 2011م، حيث عين وزيراً للدفاع، وفي يوم الاثنين 28 رجب 1433هـ 18 يونيو 2012م تم اختياره ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للدفاع.
وقد ظهرت قدرات كفاءة خاصة في كل هذه الأعمال التي تسنمها، وعلى مدى أكثر من خمسة عقود، وخاصة إبان إمارته لمنطقة الرياض فأصبح عميد أمراء المناطق، بل الجامعة لأنظمة فنون الحكم المحلي، وخاصة في الامتياز في فن التعامل مع طلبات المواطنين وعرائضهم، حيث حدد لهم جلستين على مدار اليوم الواحد مع سرعة التوجيه وتصديق شؤونهم وإيجاد الحلول لها وبمهارة فائقة، حتى إنني حضرت مجالسه فهو يقرأ العرائض على طولها ويرمي بسؤالات ويناقش صاحب العريضة أو الشكاية بذكائه الفطري واستعداده الغريزي ومخزونه من الخبرة والدراية، مع صبر وجلد وحلم وأناة وتؤدة.
وإذا ما غضب يكون باعثه نصرة للشرع وغيرة على الدين، إذ إنه لا يضيق بشيء كضيقه بالتكلف والاصطناع والكذب، ولا يعزف عن شيء كعزوفه عن مواطن المدح والثناء عليه في ملأ الاجتماع وأشهد أنه قد رأينا في يوم اجتمع له الناس، وأقبلت عليه الحشود تصافحه وتعبر عن شعورها نحوه فإذا بأحدهم يطلب إلقاء قصيدة في شخصه فامتنع ورفض، فأصر وألح فنهره وهذا هو ديدنه في مجالسه كلها.
كما أن للمواطن فسحة في وقته وقلبه، وقريب إليه، يعرف منازلهم وأقدارهم، ويعرف العوائل والأسر، ويأنس بهم ويأنسون إليه وقد خصص إبان إمارته لمنطقة الرياض جلسة مساء كل يوم اثنين في قصره العامر مع جلساته المعتادة في الإمارة، كما أنه يخصص جزءاً من وقته لزيارة الأسر في منازلهم والاستجابة لدعواتهم وعيادة المرضى وتقديم واجب العزاء.. كيف لا؟ وهو دائماً ما يردد: «إننا في هذه البلاد الطيبة أسرة واحدة ولرجالها وأبنائها مكانة في نفسي..» وكثيراً ما سألني عن أشخاص وأسر في الزلفي وهل بقي لهم من ذرية، وسألني عن أوضاعهم.
ملك وإن لم يتوج
ظهرت ملامح وسمات النجابة وصفات القيادة والحاكمية في شخص سلمان بن عبدالعزيز في وقت مبكر، إذ ظهر قدرات إدارية، وحنكة سياسية في أكثر المواقف، ولعل معاصرته لمشهد البيعة المباركة لخمسة من ملوك الدولة السعودية الحديثة، والعمل تحت لوائهم والقرب منهم، وتمرسه بعمل الإمارة لأكثر من خمسين عاماً أميراً على منطقة الرياض، مع ارتكازه على إثر والده الملك المؤسس ومحاكاته واكتساب الكثير من صفاته القيادية التي أهلته ليقدم نفسه بلا مزاحم ولا منافس برسم الكفاءة والقدرة والحضور اللافت، حتى إنك لتقرأ على جبينه قدراً ينتظره إلى درجة أنه ترسخ في الأذهان بأنه أحد أهم أركان البيت السعودي الحاكم، وقد مكنته الأعمال التي مارسها والمناصب التي تولاها في أثناء فترة حكم ملوك المملكة من 1373هـ 1954م وحتى 1436هـ 2015م أي لأكثر من 64 عاماً وهي الفترة التي أعقبت وفاة والده الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله-.
وبدأ العمل الرسمي في الدولة فكان من خط الدولة والوطن والمواطن حيث الاستئجار للقوي الأمين، وقلة هم أولئك الرجال الذين يقيضهم الله سبحانه وتعالى لحراسة دينه وإقامة شرعه وإعلاء كلمته وتولي أمور البلاد والعباد.. ومع كونه ركناً مهماً من أركان الأسرة السعودية المالكة، وسنداً لملوكها: سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله -رحمهم الله- وموقع سلمان معروف داخل الأسرة المالكة صغيرها قبل كبيرها، بسبب شخصيته القوية النافذة والبارزة، وقدرته وحكمته التي جعلته مرجعاً للجميع، ومصلحاً لأي خلاف، ومقصداً للرأي والمشورة والنصح والتوجيه، رأيه نافذ، وكلمته مسموعة، وشخصه مهاب عال من قدرات ومواهب منحها إياه الله عز وجل.
شعبية جارفة
كان ولا يزال الملك سلمان بن عبدالعزيز باستفتاء الحب الكبير أقرب إلى المواطن، وعلى علاقة متميزة للغاية بالناس على اختلاف مواقعهم وأقاليمهم، لأنه حفي بهم، وأقرب إليهم وإلى احتياجاتهم ومنذ وقت مبكر، وهو الذي قلد كل واحد منهم وسام الحب والاحترام والتقدير، وقدم نفسه مواطناً قبل أن يكون أميراً، والكل يرى فيه الماء الذي منه يستقي، ففي كل يوم من أيام الوطن له حفلة بالموطن، مصافحاً ومعانقاً وزائراً وعائداً ومجتمعاً ومعزياً ومهنئاً، لم يوصد له باب يوم، بل فتح قلبه قبل بابه، وديوانه أشبه ما يكون بالمضافة الدائمة، الكل هنا في مجلسه: الكبير والشيخ والعالم وذو الشيبة وعوام الناس وذو الحاجة والشكاية حتى الفقراء وأباسط الناس يأوون إليه دون مواربة أو تفرقة «وطن واحد» و»قبيلة واحدة» انصهرت في مجلس سلمان وهو المرابط الذي أعطى جل وقته للناس كل الناس والابتسامة تعلو محياه وهو يدور في فلك المواطن والسؤال عنه على الرغم من كثرة أعبائه ومسؤولياته التي لا تنتهي فكون له رصيداً زاخراً من الحب والالتفاف الصادق وعلى مدى عقود ودونما أن يمل أو يسأم، أو يغلق باب هذا الحب، حتى مع أولئك الذين يختلف معهم، هو من يبادر إلى المبادأة في السؤال عنهم، إنه الاستثناء الأول، وقد رأينا حقيقة هذا الاستثناء في الكثير من المواقف التي يرهن المواطن بمدى الحب الكبير والإجلال والتقدير الذي يكنه لشخص سلمان بن عبدالعزيز الإنسان قبل الأمير في امتلاء مجالسه بالمواطنين، وفي الاستقبالات الرسمية أو التوديع في المطار، أو في زياراته التفقدية للبلدان والمحافظات والأقاليم.. أو بعد مشاهد العزاء الذي يعد استفتاء غير مسبوق بعد فقده لأبنائه الأمراء فهد وأحمد -رحمهم الله- أو عند مشهد البيعة له بولاية العهد والملك لتعطى له شعبية جارفة من الحب المستحق والاحترام الصادق بملاءة القبول والرضا التام، وتلك هي منحة الله في عبده سلمان ليجعل علاقته مع أبنائه وشعبه علاقة متفردة في خصوصيتها.
سلمان.. الملك
ما عسى أن يسع موجز القول من سيرة رجل ملأ الخير ربوع وطنه، وعم الرخاء بين أبناء شعبه، وساهم في إرساء دعائم الدولة المدنية الحديثة في عهده.
إنه الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، خلاصة السلف الكريم من ملوك هذه المملكة الراشدة، وسليل النبع الروي من أبنائها، وبقية أبناء الملك المؤسس ووارث أمجاده وحكمته، وهو الثابت على مبادئه وقيمه وسلوكه.. وهو من يشرف الملك به، حيث سعى الملك له ولم يسعَ هو إليه طواعية وقدراً محتوماً لدلالات وحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى ليتوج صبيحة يوم الجمعة 3 ربيع الآخر 1436هـ 23 يناير 2015م ويعتلي العرش ملكاً للمملكة العربية السعودية ليكون الوطن قد كسب قائداً وملكاً استثنائياً لا يفارقك حضوره في المشهد الإداري والاجتماعي والخيري والإنساني.. وباعتلاء الملك سلمان سُدة الحكم ستبدأ مرحلة جديدة، ونقلة نوعية في ارتكاز فضيلة الحكم المؤسس على أطر تقديم المصلحة العليا للوطن والمواطن فوق أي اعتبارات أخرى، وتغليب المصلحة العامة على الخاصة لقناعات فكر تنموي، وسلوك تطبع بها سلمان، وتشبع في إروائه بصدق ونزاهة وتجرد، كيف لا؟! وهو أمين هذه الدولة وحارس ثرواتها ومكتسباتها ومقدراتها، وفي قابل الأيام سنرى من ملك الإصلاح الكثير من الإصلاحات التي تصب في مصلحة ورفاه الوطن والمواطن، وما تلك القرارات والمراسيم الملكية التي صدرت بالأمس القريب إلا بداية الصورة المبكرة لإستراتيجية البناء والإعمار لنهج ارتسم في ذهن وفكر وعقل الملك سلمان الذي بلغ مبلغاً عالياً من النضج والتجربة والخبرة والدراية لكل مفاصل الدولة حتى في جزئيات تاريخها وأسس قيامها الأول، ومن يقرأ السجل الشخصي لسلمان بن عبدالعزيز من المراحل المبكرة والمتأخرة سيجد الكثير من الإرهاصات التي تبلورت على مراحل من حياته، وأسفرت عن إنجازات عظمى، وتحولات كبرى، وما العاصمة الرياض إلا أكبر شاهد ماثل على النجاح الذي يرهنه، فلقد تولى الإمارة وجعلها منارة تضاهي كبريات عواصم وحواضر العالم؟!!
سلمان.. الانتماء والولاء
هو خير من مثل وجسد اللحمة الوطنية من خلال مسيرته الرائدة، وكان له الأثر البالغ في غرس روح الانتماء الوطني في نفوس أبنائه المواطنين، وهو دائماً متلائم النظرة في إذكاء دور الآباء والأجداد من رجالات وأبناء هذه الدولة، والتضحيات التي قدموها في سبيل قيام هذه الدولة، وتلك النظرة لم تكن وليدة توليه الحكم، بل كانت ملازمة له منذ سني حياته الأولى، وهو كثير الاستشهاد بذلك الدور في مجالسه الخاصة والعامة، وفي كل كلمة أو مناسبة أو مقال أو مقام، ليذكي هذه الروح الوثابة في نفوس الأجيال الناشئة للمستقبل القريب -بإذن الله-.. وتعزيز الثقة في نفسه، وهو دائماً ما يردد عبارات لها دلالات بالعمق ومدلولات في الولاء، وكأنه يوجه لأبنائنا وبناتنا الذين يشكلون النسبة العظمى من التركيبة السكانية للدولة، فدائماً ما يقول في ثنايا حديثه مذكراً ومؤكداً وبنظرة ثاقبة مؤسسي هذا الكيان الكبير: محمد بن سعود، وتركي بن عبدالله والملك عبدالعزيز وملوك هذه الدولة -رحمهم الله جميعاً-. كما يؤكد على خصائص وسمات هذه المملكة من كونها قبلة المسلمين، ومهبط الوحي، ومنطلق الرسالة المحمدية، ومهوى أفئدة المسلمين.
سلمان.. البشارة
عند استقراء سيرة ومسيرة الملك سلمان بن عبدالعزيز الزاخرة بجزالة ارتكاز العمل المؤسسي على القيم، ولغة الحكمة والحوار والتعقل والنزاهة التي أفرزتها سيرته على مدى عقود، لم نسمع يوماً ما عكر زهاءها، أو خدش حياءها سمعة برغائب وإغراءات المنصب أو الإمارة أو الملك.. بل هو ذاته من زاد من وهج البيت السعودي الحاكم بأرقى فضيلة، وأجمل ذكر، وهو من أحدث التوازن والثقل والتقارب بين أبناء البيت السعودي الواحد، ليؤكد اللحمة ووحدة المجتمع السعودي الواحد..
لذا .. ارفعوا رؤوسكم أيها السعوديون فقد بدأ عهد جديد زاهر بالعطاء والنجاح والاستقرار -إن شاء الله- فكل مقومات البشارة اختزلت في حكم هذا الملك الصالح سلمان الذي هو ظل عبدالعزيز وسيرته على الأرض عزة وكرامة وإباء، فهو قلب الوطن وضميره الحي، وفرحة البلد بأبنائه وبناته.
- فهد عبدالعزيز الكليب