رجاء العتيبي
الذي يعرف (نتفا) من برامج المونتاج السينمائي، سيتأكد له أن حرق الطيار معاذ الكساسبة مجرد (خدعة)، فما بالك بالمحترفين في هذا المجال، فلضمان حدوث تأثير أكبر، ولضرورة إتمام الخدعة، اضطر القائمون على صناعة الفيلم إلى تصويره تصويرا احترافيا من البداية حتى النهاية حتى تأخذ (خدعة الحرق) بيئتها الفنية فلا تنكشف.
ببساطة لا يستطيع داعش أن تحرق الكساسبة بطريقة مباشرة، لأن الطريقة المباشرة ليس لها إلا أن تكون حقيقة، والطريقة المباشرة في الحرق لا تستطيع من خلالها أن تلبّس على الناس، فكون فيلم الحرق جاء بطريقة فنية عالية، فذلك ضرورة وليس ترفا أو استعراض الخدمات الإنتاجية لداعش، أو لمزيد من التأثير النفسي.
في تقديري الشخصي أن الحرق المباشر أكثر تأثيرا من السيناريو الذي بدا فيه الحرق للعالم، وإذا ما سلمنا بأن الحرق خدعة وهذا ما أميل إليه، فلماذا داعش لم تحرق الكساسبة حيا بطريقة مباشرة ؟ هذا سؤال جوهري إجابته تحيلنا إلى مجموعة احتمالات:
الاحتمال الأول: أن الكساسبة قضى نحبه بشكل أو بآخر، فاضطروا إلى هذه التمثيلية ليكسبوا من وجهة نظرهم الموقف لصالحهم.
الاحتمال الثاني: أن هذه العملية جاءت باستشارة خارجية لأهداف مالية، أو حزبية، أو سياسية، فرأت داعش أنها فكرة مثيرة ولها بعد إعلامي أقوى وتحديداً لدى الإنسان الغربي الذي يتأثر بالحرق (العصري) أكثر من الحرق (التقليدي)، فالأولى يتوقف عندها وتكون له رد فعل معين قد يصل إلى الاعتراف بداعش كقوة عصرية يمكن التفاوض معها، أما في الثانية فيرفضها ويرفض القائمين عليها، فالنسبة لهم ستكون عملية مقززة، سيتأكد لك ذلك إذا اقتربت أكثر من الثقافة الغربية.
الاحتمال الثالث: أن الحرق بالطريقة السينمائية يعطي فرصة لإبراز قوة داعش عن طريق (الكلوزات) والمؤثرات الموسيقية وتعيين زوايا التصوير المطلوبة وإلغاء ما ينبغي إلغاؤه، وهذا لا يتأتى لهم في الحرق المباشر.
الإنترنت مليئة بموضوعات عن تفكيك الخدعة، وهي موضوعات جديرة بالمشاهدة والتأمل، وستعطيك فكرة أن داعش خلفها خدمات إنتاجية لم تتأتَ لكثير من الدول، فما بالك بمجموعة تسيطر على مناطق فقيرة معزولة لا يوجد بها أبسط التقنيات الحديثة، فإذا كانت حادثة الحرق خدعة، فإن داعش أكبر خدعة صدقها أبناء المنطقة، وما زال الفيلم مستمرا.