د. جاسر الحربش
لدي قناعة شخصية بحقي في إبداء الرأي المفتوح المتشارك مع القراء لكبار المسؤولين في الوطن الذي أتشرف بالانتساب إليه وأهتم بالمساهمة في تأمين مستقبله بإمكانياتي المتواضعة. لا بأس بالسؤال المتوقع، من أنت أصلا حتى تنصح أو توصي كبار المسؤولين، ولماذا تعتقد أن أحدا منهم سوف يهتم لذلك؟. قد يبدو السؤال وجيهاً لأول وهلة، لكنه إن تم توجيهه بهذه الطريقة متسرع ويفتقر إلى فهم شروط التعايش الاجتماعي واستيعاب الحقوق والواجبات التي تفرضها المواطنة، وفيه تصغير لذات السائل نفسه يترتب عليه تصغير المقصود بالسؤال، لأن السائل المفترض يقيس الأمور على مفاهيمه وحسب تقديره لنفسه كمواطن.
مقدمة عامة موجهة إلى كل الوزراء الجدد: أصحاب المعالي، ها أنتم تشرفتم بالتكليف للقيام بالمهمات الصعبة. انتهت فترة التشريف وبدأت مهمات التكليف. المواطن يراقبكم وسوف يتابع أفعالكم بالموجب والسالب. الحكم عليكم سوف يبنى على كفاءة الأداء والحس الوطني في اختيار الطواقم والأمانة والنزاهة في التصرف في الأموال الطائلة التي أصبحت تحت تصرفكم. ولي الأمر والمواطنون يتوقعون منكم أفضل أنواع الأداء فلا تخذلوهم.
الرسالة الأولى موجهة إلى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع ورئيس الديوان الملكي: يا صاحب السمو الملكي، بحكم منصبك كرئيس للديوان الملكي صرت من خادم الحرمين الشريفين بمنزلة السمع والبصر في مركز المسؤولية، تنظم له الزائر والمودع والوارد والصادر، وترتب ما يطلبه منك من أولويات وتؤجل ما يطلب منك تأجيله. إليك أولا تصل التظلمات والمعلومات والآراء والطلبات، وعبرك تخرج الأوامر والقرارات الملكية السامية لتنقل إلى الجهات التنفيذية.
أما بحكم منصبك كوزير للدفاع، فقد أصبحت يا صاحب المعالي اليد اليمنى التي يحفظ بها ولي الأمر أمن الوطن الخارجي ويصد بها الأعداء.
المهمات التي شرفك بها وكلفك جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز وفقه الله يعرف أنك أهل لها وإلا لما وصل إليك التشريف بالتكليف. أنت أدرى بحكم منصبك بما يكتنف مسؤولياتك من الأهمية والحساسية، وبما تتطلبه من اختيار الأفضل تأهيلا وأداء والأكثر وطنية وإخلاصا وعمقا من المستشارين والعاملين تحت إشرافك من العسكريين والمدنيين.
أنت على معرفة تامة بما يختزنه والدك وولي أمرك وفقه الله وأطال عمره من خبرات وتجارب امتدت على مدى سبعين عاما، من التفاني في التعامل مع الأولويات الوطنية الضرورية للاستقرار والعدل والحصانة الوطنية. ليس مطلوبا منك أكثر من التقيد بمواصفات أبيك، ومن يشابه أبه فما ظلم. وفقك الله ورزقك البطانة الصالحة.
الرسالة الثانية موجهة إلى وزير العدل: تسلمت يا معالي الوزير أهم وزارة على الإطلاق في كل حكم ودولة. سبقك أساتذة لك إلى هذا المنصب وتركوا بصماتهم على الوزارة، فتفحص جيداً ما ورثته من سابقيك بإنصاف وعدل. لا تمسح السبورة لتكتب من جديد، واستبق الجيد الموجود وطور فيه، ثم امسح ما تقتنع بمشروعية إلغائه أو تعديله.
إن مهمتك يا معالي الوزير تقوم على توخي العدل في كل الأمور، لأن العدل أساس الملك واستقرار الدول والمجتمعات، ويتطلب تبحراًً وعمقاًً فقهياًً وحضارياًً في التاريخ الشرعي والفلسفي للحقوق الإنسانية. مطلوب منك اختيار العقول والقلوب والضمائر الشجاعة في الحق، الصالحة للتصدي لمهمات الأحكام العادلة الصارمة وتنفيذها. لأن الإبطاء والتأجيل والتسويف في القضايا يثلم العدل وينقص فيه ويوغر الصدور، يتوجب عليك تبسيط الإجراءات البيروقراطية بفتح المسارات المؤدية إلى إحقاق الحقوق بأقصى سرعة ممكنة، وإغلاق الدوائر والمسارات المؤدية إلى الاستنفاع والاسترزاق بالوجاهات والوساطات، أو تضييع الحقوق بإدخال اليأس في قلوب أصحابها من البت فيها.
لا تنس أنك شاب في مقتبل العمر وأصبحت رئيسا على من كنت بالأمس مرؤوسا لهم، فلا يدخلنك الزهو فتكبر نفسك عليهم وعليك، ولكن لا تجاملهم أيضا في حق من حقوق الناس التي هي من حقوق الله.
لولا أن الثقة فيك كبيرة لما وصلت إلى هذا المكان فواجب العدل ثقيل.
إن كنت قد أصبت بالفعل بعض نصيبك من الدنيا وأنت مازلت في شرخ الشباب وأًصبحت وزير عدل، فلا تنس نصيب الوطن فيك، ولا تنس قبل ذلك نصيبك من الآخرة.
وفقك الله وأعانك على ما سوف تواجهه في مسؤولياتك الجديدة.