من يعرف السعودية جيداً يدرك أن سياساتها واضحة لدرجة الثبات تقريباً. قد تتغير الآليات، وتتطور الأساليب، لكن تبقى القضايا الرئيسية على أجندتها باقية، بل تزداد رسوخاً في القضايا المصيرية، وتلك التي تعد وجودية أيضاً.
من القضية الفلسطينية، مروراً بملف السلام ومشاريعه المطروحة والمتجددة باستمرار بمبادرة سعودية، وصولاً إلى حربنا المفتوحة مع الإرهابيين والتكفيريين.
فالسعودية ستبقى رمزاً للإسلام المتسامح بشكل ملحّ؛ فهي قبلة العالم الإسلامي جميعه دون استثناء، وهذا القدر هو الذي يجعلها تسير في طريق الوسطية، وتنبذ الإرهاب ودعاته بل تقود الحرب ضدها ضمن منظومة المجتمع الدولي.
صحيح أن وقتاً طويلاً سيمر ونحن نعاني ونواجه الفكر الإرهابي وتنظيماته المتفاوتة المنتشرة خارج حدودنا الشمالية والجنوبية، أو تلك الجماعات السرية المختفية داخلنا، لكن هذه المواجهة ستبقى أولوية سياسية وأمنية لاستقرار الكيان ونموه، وتمدده نحو المستقبل. حربنا مع الإرهاب ستبقى مفتوحة ومتجددة، بل متنوعة في معاركها الفكرية والأمنية، وهي حرب طويلة في وجه كل أعداء الوطن ووحدته الجغرافية، وكيانه الوطني الكبير الذي يجمعنا بكل تنوعنا واختلافنا.
إلا أن ذلك لم يكن ليمنع البلاد من التجدد الإداري المستقر والراسخ في رأس الهرم وفروعه.
ففي الوقت الذي نستمر فيه في مواجهة الإرهابيين والفكر المتشدد، تستمر البلاد في البناء والتنمية وتدعيم مؤسسات الدولة وجهازها التنفيذي بكوادر تزيده حيوية ونشاطاً وتقدماً وفعالية باستمرار.
أكتب هذا المقال وأنا أتابع الوزراء الجدد والمسؤولين الذين شملهم الأمر الملكي بالتعيين في قمة الهرم السياسي والإداري السعودي، يقفون أمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبحضور ولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، مرددين: «أُقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لديني ثم لمليكي وبلادي، وألا أبوح بسر من أسرار الدولة، وأن أحافظ على مصالحها وأنظمتها، وأن أؤدي أعمالي بالصدق والأمانة والإخلاص».
وهم الآن بين يدي هذا القسم العظيم ليحققوا روحه ومعناه الجليل في مهمة التكليف التي أوكلها لهم الملك سلمان بن عبدالعزيز أمام الله، ثم أمام الوطن.
والحقيقة المفرحة أننا أمام أصغر معدل في عمر المجلس، كما أننا أمام ولي لولي العهد من جيل أحفاد المؤسس؛ ما يؤكد أننا أمام مرحلة جديدة ومتجددة، مرحلة يغلب عليها حيوية الشباب والخبرة. وبحسب السير الذاتية للوزراء الذين يمثلون مجلس الوزراء السعودي الحالي، نجد أن متوسط أعمار الوزراء هو 50 عاماً، بينهم 3 وزراء في الثلاثينيات، اثنان في الأربعينيات، و14 وزيراً في الخمسينيات؛ ما يعني وجود 19 وزيراً دون سن الـ60 عاماً.
وتضمنت السير الذاتية أيضاً أن عدد الوزراء الذين في الستينيات من العمر لا يتجاوزون 7 وزراء، أما الذين دخلوا في بداية السبعينيات من العمر هم 3 وزراء.
حيوية مهمة لمرحلة مهمة يقودنا فيها الملك السابع للمملكة العربية السعودية الحديثة، الملك سلمان بن عبدالعزيز، في مواجهة تحدياتها وتطلعاتها الاقتصادية والتنموية، وبما تحمله من تقلبات سياسية إقليمية ودولية، فضلاً عن الجانب الأمني القوي الذي تحقق فيه البلاد إنجازات مشرفة في مواجهة الإرهاب والتطرف.