عند الحديث عن الملك عبد الله - طيّب الله ثراه - نجد التلاحم وصور الوفاء والولاء لهذا الملك العادل والقائد الفذ من جميع شرائح المجتمع، والذي سكنت محبته في قلوب كل المواطنين، لأن أول اهتماماته - رحمه الله - كانت تلمس احتياجات المواطنين ودراسة أحوالهم عن قرب رغبة منه في تحسين المستوى المعيشي لجميع المواطنين، وبناء الإنسان السعودي، ودعم مسيرة الاقتصاد الوطني.
في ظل الطفرة الاقتصادية التي عاشتها المملكة في عهده - رحمه الله - حققت المملكة قفزات كبيرة في مجال التنمية الاقتصادية التي شملت قطاعات التعليم والصحة والصناعة، وقيام المدن الجامعية والصحية والصناعية والاقتصادية والسياحية، وتوسعة الحرمين الشريفين في عهده التي تُعد الأضخم على مدار التاريخ، بالإضافة إلى الاستثمار في قطاع النفط والغاز والبتروكماويات لتسهم جميع هذه القطاعات في تنوع الاقتصاد السعودي، وزيادة الناتج المحلي.
كانت رؤيته واضحة في حديثه عند إقرار كل ميزانية، حيث أكد الملك عبد الله - رحمه الله - على أن الأمور ستكون - بإذن الله - كل عام أفضل من الأعوام السابقة في تنفيذ بنود الميزانية دون تقصير، وحمَّل الوزراء كامل المسؤولية عن أي تقصير أو أي تراخٍ إداري، وطالبهم بالصدق في القول والعمل، وضرورة الإنجاز وعدم التقصير في إنجاز المشاريع القادمة، وخدمة المواطن، وفتح أبوابهم له، بل خلعها إذا جاز التعبير.
ولعل أبرز ما يميز إنجازات الملك عبد الله - طيّب الله ثراه - تنقسم إلى عدة أقسام.. الجانب الأول هو طويل المدى من خلال السياسات والدراسات الإستراتيجية الضخمة التي أقرها الملك عبد الله - رحمه الله -، والتي تتعلق بتنمية الاستثمار في الإنسان السعودي، وتمثّل أحد أهم دعائم النهضة الاقتصادية بالإنفاق على التعليم والتدريب، والابتعاث الخارجي، ورفاهية المواطن بزيادة الرواتب ودعم بعض السلع، وتخفيض أسعار البنزين، ورسوم الخدمات، وزيادة أموال صناديق التنمية التي تقدم القروض للمواطنين في المجالات الصناعية والزراعية والعقارية.
الجانب الثاني دعم الإسكان وتوجيهه -رحمه الله - بتوفير مبلغ 250 مليار ريال للإسكان العاجل، ورفع قيمة القرض السكني إلى 500000 ريال وتوفير بناء 500 ألف وحدة سكنية للمواطنين وعائلاتهم، وحل مشكلة الانتظار، وإنشاء مركز الملك عبد الله المالي الذي يُعتبر معلماً حضارياً بارزاً من معالم العاصمة، الذي سوف يجعل الرياض عاصمة للمال، والنفط على المستويين الإقليمي والدولي، ليبرز دورها في القطاع المالي والاقتصادي، ويعكس المتانة والمكانة السياسية والاقتصادية لها.
استطاع الملك عبد الله - طيّب الله ثراه - بحكمته أن يعزز دور المملكة في جميع المجالات الإقليمية والعالمية, حيث دخلت المملكة في عهده ضمن مجموعة العشرين، وشارك في قممها التي عقدت في واشنطن، ولندن وتورنت، وأثبت للعالم - رحمه الله - أننا أمة متقدمة ومؤثرة في الاقتصاد العالمي، وقادرة لأن تكون قوة مؤثرة في السياسة الدولية، حيث إن التخطيط الاقتصادي والسياسي أمر هام وضروري، ويجب أن يكون نافذة للاستثمار في المستقبل، لأنها بالمحصلة استثمار لمصلحة المواطن السعودي، والخليجي والعربي والإسلامي.
طالبَ - رحمه الله - بالوحدة الخليجية، ووحدة العملة الخليجية كقوة اقتصادية واحدة وسياسية عظيمة لها حضورها وتأثيرها، ودافع عن المواطن السعودي والأمن الوطني الخليجي والعربي، فالإنجازات التي حققها الملك عبد الله - رحمه الله - ومدى وفائه لشعبه وبلاده ودعم اقتصادها كان نتاجه بناء المواطن المتميز، والدولة السعودية الحديثة، وهو إنجاز وطني عظيم، يدفعنا بحق أن نقف بشموخ احتراماً وتقديراً لما حققه الملك عبد الله - طيب الله ثراه -.
إنه مصاب جلل وخطب عظيم، لقد فقدَ الوطن قائداً ورجلاً مخلصاً نذر نفسه لخدمة دينه ووطنه وشعبه، وسطر له التاريخ بمداد من ذهب أعماله وإنجازاته الخالدة، فبرحيله فقدت المملكة إماماً عادلاً وقائداً فذاً، وعزاؤنا في فقيد الأمة تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - وفقه الله - مقاليد الحكم مما يدل على ثبات هذه الدولة العظيمة، وقوة أركانها وما تحظى به من حب وتقدير ووفاء من شعبها، الذي سوف ينعكس أثره على الأمن والطمأنينة والاستقرار، فرحمَ الله الملك عبد الله، وأسكنه فسيح جناته.