لبى جميع الطلاب والمبتعثين السعوديين والدارسين على حسابهم الخاص وأولياء أمورهم ومرافقيهم في ماليزيا صلاة الغائب على خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- وتوافدوا بأعداد غزيرة من مختلف الولايات الماليزية بمشاعرهم وحبهم وتقديرهم ووفائهم المعهود لمليكهم ووالدهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-؛ فرحيله مثل فاجعة عظيمة عند الجميع الذين عاشوا معه وتحت ظل قيادته، فهو ملك إنسانية ورحمة وخير.
اصطفت الصفوف لصلاة الغائب في السفارة السعودية في ماليزيا على روحه لتتشكل لوحة فريدة من الحب والوفاء انهمرت الدموع وبكت المقل وانهالت الدعوات الصادقة لذلك الإنسان الذي منحهم قلبه من أجل الوطن، وصنع الكثير من أجل الإنسان السعودي، فكان عطوفا مع الفقير والصغير قبل الغني والكبير.
لن ننسى ملكنا ما بقينا على هذه الدنيا وذكراه ستظل ماثلة في وجداننا وموضع اعتزاز وفخر لنا في جميع الأدوار التي لعبها
-المغفور له بإذن الله- فكان بمواقفه على المستوى المحلي أو العربي أو الإسلامي أو الدولي رجلا استثنائيا فهو رائد الإصلاح وباني النهضة الحديثة للمملكة العربية السعودية وقائد مسيرة التنمية، فأبناؤه طلاب العلم في مختلف دول العالم يحملون اسمه في رحلتهم مع العلم والمعرفة، «برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي»، هذا البرنامج الذي هندسه خادم الحرمين الشريفين -رحمه الله- بعبقريته المشهودة حيث لا توجد أسرة في السعودية إلا واستفادت من هذا البرنامج، فأضاف لهم حجم الفرق في حياة كل فرد منهم ولأسرتهم من الأثر الإيجابي في حياتهم فزادهم معرفة ووعيا، ذلك لأن الملك الراحل كان على يقين بأن ذلك العمود الفقري وركيزة مهمة للنهضة ودفع عجلة التنمية إلى الإمام، فتميز عهده بالاستثمار في الإنسان وبيئته.
سيذكر السعوديون فضل هذا البرنامج الضخم الذي ضم مئات الآلاف من المبتعثين والمبتعثات في أكثر من 30 دولة حول العالم في تخصصات نوعية وفريدة ودقيقة لأفضل الجامعات العالمية.
غادر الملك عبدالله بن عبدالعزيز هذه الدنيا ولن ينسى العالم الإسلامي جميل صنعه ومعروفه في خدمة الحجاج والمعتمرين والزائرين بتوسعات لم يشهد لها التاريخ مثيلا للحرمين الشريفين وجهوده العظيمة في مشروعات إعمار المشاعر المقدسة، ولن ينسى السعوديون وغيرهم فضله عليهم -بعد فضل الله عز وجل- فعمّ في عهده، استقرار، وتحقق ازدهار، وأرسي السلام، تقدمت مملكتنا بخطى متسارعة تقدما في مختلف المجالات، فرعى الحوار الوطني، وبنى مدن العلوم والتكنولوجيا، وبادر بالدعوة إلى السلام في الشرق الأوسط، وأطلق الحوار وأسس المراكز التي تحتضن الحوار بين أتباع الأديان، وتتصدى وتحارب الإرهاب والتطرف والغلو.
وشهد عهده الميمون نهضة اقتصادية عملاقة ابتداء من إنشاء المدن الاقتصادية وزيادة غير مسبوقة في عدد الجامعات لتغطي مساحة المملكة جغرافيا، وكذلك مشاريع الإسكان، ودعم المواطن للمشاركة في صنع القرار من خلال مجلس الشورى والمجالس البلدية، ودعم المرأة السعودية بحزمة من القرارات فيما يتعلق بشأنها وتسهيل أمورها.
لم ينسَ فلسطين فكانت يداه مبسوطتين بالمساعدات الكبيرة لهذه القضية، وكان عونا للبنان، وطوى صفحة الإرهاب من تاريخ مصر، وأنقذ اليمن وأخرجها من مستنقع الحروب الأهلية بمبادرة حب وإخاء، وغير ذلك الكثير الذي لا يحصى من الرسالة السامية للمملكة العربية السعودية ودورها كما أرساه مؤسسها القائد التاريخي الملهم المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه-، وسار عليها أبناؤه من بعده.
فجزى الله والدنا وقائدنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- خير الجزاء كفاء ما أبدى، ولقاء ما أسدى، وجزاء ما قدم وأعطى.
ولعل ما يخفف الفاجعة والمصيبة الفادحة ولوعة الفراق، هو ثبات الأركان وقوة البنيان بتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- رتب فيها البيت السعودي بعد سويعات من توليه زمام الأمور في حب ووفاق، وخير واتفاق، مات الأعداء بغيظهم واندثر أهل النفاق.
سلمان الحاكم ابن الحاكم فهو -حفظه الله- نهل من مدرسة المؤسس فجاءت قراراته التاريخية غير مستغربة من تعيين ولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز نائبا لرئيس مجلس الوزراء، وترتيب انتقال الحكم بشكل انسيابي وسلس للمستقبل، فاتخذ قرارا تاريخيا بنقل الحكم وللمرة الأولى في تاريخ الدولة السعودية للجيل الثاني من أسرة آل سعود، فعيّن الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد ونائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، هذه الخطوة الكبيرة التي أكدت للجميع وهم ينتظرونها في الداخل والخارج أن القرارات التاريخية لها رجالها وهكذا هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان.
فكيف لا يحرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، على استقرار المملكة وتثبيت أمنها وهو الذي ضاعف جهوده بتنسيق المواقف وتقريب وجهات النظر من أجل أمن دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك من حرصه على البيت الخليجي واستقرار الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، من أجل تعزيز الأمن الإقليمي والسلام العالمي، في ظل ظروف صعبة حرجة وتهديدات متنامية للأمن وتفشي ظاهرة الإرهاب، وانتشار أصحاب الفكر الضال والمنحرف في المجتمعات.
سلمان الشجاع يكره التردد لأنه يرى ذلك يحرف مسار التاريخ ويهلك الأمم ويزيد من معاناة الشعوب ويدمر الدول، فكان يتعامل مع الأزمات بمسؤولية تنطلق من أمانته وعروبته ودينه ومنهجه الوسط المعتدل.
سلمان الإنسان هو البسمة الشافية واليد الحانية التي رسمت السعادة في وجوه البؤساء، وأخذت على أيدي الغرقى في هموم الحياة إلى شاطئ الأمان والخير والفرح والسعادة الحياتية، فتسابقت المؤسسات والجمعيات الخيرية والمراكز والمستشفيات وغيرها ليكون اسمه رمزا لها، فوقفاته الإنسانية فريدة دوّت أصداؤها في الداخل والخارج وأبهرت العالم.
يثق أبناء المملكة جميعهم بقيادة سلمان لهم ويعلقون عليه آمالهم، فالملك سلمان هو فن القيادة من خلال مهامه الجسيمة والكبيرة التي تولاها وتأثيرها في الدولة السعودية، ومن خلال علمه ودرايته وثقافته العالية، فهو موسوعة علمية وتاريخية، برع في التاريخ وعلم الأنساب وغيره، ولم يبخل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بدعم العلم والمعرفة وجهوده في نشر الثقافة داخل البلاد أو حتى خارجها، لا يستطيع أحد كائنا من كان أن ينكرها.
وفي الختام ونحن نعلنها بيعة حب وولاء وإخلاص، ونعاهد الله أن نكون عونا لخادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ونبايع صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز آل سعود وليا للعهد، الذي أثبت مقدرته في جميع المناصب التي تقلدها منذ كان صقرا يحلق في السماء كقيادي من الطراز الأول في سلاح الجو السعودي بالطيران الحربي.
كما نبايع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد، الذي أدار الشأن الأمني للبلاد بمسؤولية وإخلاص وحفظ أمن واستقرار هذا الوطن من أيدي العابثين بمقدراته ومكتسباته، وواجه بشجاعة التطرف والغلو وقضى على الإرهاب ومطامعهم ومطامحهم التخريبية ولقنهم درسا لن ينسوه.
ومن هنا نؤكد للجميع أننا نحن السعوديين لا يعترينا قلق ولا يصيبنا خوف من الحاضر والمستقبل في ظل حكم أبناء المؤسس والحكم السعودي الثابت الأركان.