كثرت التساؤلات حول الرقم الحقيقي حين أعلنت وزارة الإسكان عمّن قبلت طلباتهم، فبين من يقول إن الرقم يشمل المستفيدين، وبين من يقول إن الرقم يخص عدد الطلبات التي حازت على معايير وشروط الوزارة، غير أن هذا ليس كل شيء فهناك تساؤلات أخرى.
إذا كان عدد طلبات المتقدمين حوالي (960) ألفاً وحقق (620) ألفاً استحقاق السكن فإن نسبة الإنجاز تكون (64%) وهو إنجاز لا شك عظيم، خصوصاً أن من لم يتم قبول طلبه حتى الآن ما زال أمامه فرص المحاولة باستثناء من سبق وتقدم لصندوق التنمية العقارية ولو لم يستفد إما لعجز أو غيره، وهو بالتأكيد شرط طارد لمن تجاوزت أعمارهم الخمسة وثلاثين عاماً، وفي الغالب هم ذوو العائلات الكبيرة والأحوج من غيرهم للسكن، وسأعود لهذا الشرط بعد قليل، فنسبة (64%) جيدة خصوصاً أن الباب لم يقفل تماماً على من لم ترحمه معايير وشروط الوزارة للحصول على سكن حتى وإن كان لا يملك سكناً، ولأن أكثر من رفضت طلباتهم تم بناء على بعض الشروط الصعبة وهي أيضاً كثر، فإن المحتمل أن تصعد النسبة إلى أعلى بعد التصحيح أو التعديل المطلوب، بيد أن البعض يشكك بهذه النسبة ويرى أن الرقم (620) لا يمثّل عدد طلبات من تقدموا وقبلوا، وإنما يمثّل عدد المواطنين المستفيدين من الطلبات التي قبلت، أي أن عدد الطلبات التي تم قبولها باعتبار أن متوسط العائلة (6) أفراد بين أم وأب وولدين وبنتين سيكون العدد الحقيقي (103) آلاف طلب تم قبولها من بين (960) ألف طلب مقدم، وهنا تتغير الصورة بشكل كبير جداً لتصبح نسبة الإنجاز (10%) فقط، وهي إن صحت نسبة مخجلة.
هذه النقطة تحتاج إيضاحاً من قبل وزارة الإسكان التي يُشكر لها حسن أدائها الإعلامي، وإلا فإن ما يتداوله الناس في أحاديثهم اليوم قد يكون شافعاً لعدم ظهور البهجة والسرور لهذا المنجز الذي طال انتظاره، ولعل ما نشرته هذه الجريدة بعددها الصادر في 6/11/1435 حول توجه الوزارة لإلغاء شرط تملك أحد أفراد الأسرة لأرض أو سكن من آلية الاستحقاق، وهو وإن كان يوضح تعقيد وصعوبة بعض الشروط إلا أنه أيضاً يؤشر إلى رغبة الوزارة في تحقيق نسبة أعلى، ويُؤخذ في الحسبان نسبة كبيرة من عدم الرضا لنسبة (64%)، فكيف لو ظهر أن حقيقة الإنجاز لم تتجاوز نسبة (10%) وهو أمر أحاول استبعاده، لكن لعله أيضاً تشكيك من باب الإعجاب في حسن الإنجاز وشاهد له وأتمنى ذلك، لو لا أن الأمر يحتاج إلى توضيح مباشر وبشكل سريع حتى لا يشوّه روعة الإنجاز الذي وبرغم ما ظهر في معايير وشروط القبول من عقد ومنغصات وطلب لبيانات في تفاصيل التفاصيل إلا أنه وبهذه النسبة الجيدة إن صحّت وأكدت بإعلان مفسر من قبل الوزارة، مع ما أُتيح لمن لم يحالفه الحظ في التصحيح والعودة من جديد يجعلنا نطمئن أن مسار مشكلة شح الإسكان في طريقها للحل - بإذن الله -.
الآن، تقدم مواطن سعودي إلى صندوق التنمية العقارية قبل ثلاثين سنة وحصل على قرض لكنه ولظروف خاصة عجز عن بناء مسكن فتنازل بالقرض إلى مواطن آخر وبقي هو وأسرته - بأي عدد - في التنقل من مكان لمكان مع تصاعد في أسعار الإيجارات إلى أن اضطر مرغماً لحشر أسرته في صندوق (خرساني) مكون من غرفة أو غرفتين منتظراً رحمة الله، وما إن سمع بنية الوزارة في مساعدة من لا يملك سكناً تقدم بطلبه فرحاً مسروراً ثم عاد إلى أهله وبيده فول و(فلافل) هذه المرة مع رغيفين من الخبز (التميس) لتستقبله أسرته بالزغاريد، ثم يلتئمون في حلقة دائرية حول بعضهم مضيئين بقايا شمعة وجدتها والدتهم في برميل الزبالة قبل أسبوعين، وحين تم الإعلان بعد سنوات من الرجاء والأمل والأحلام عن المستحقين لمعايير وشروط الاستحقاق ظهر أنهم من غير المستحقين بأعين وزارة الإسكان، دعك من هذا وانظر في صورة أخرى من صور عديدة ومتنوعة، تقدم مواطن سعودي إلى صندوق التنمية العقارية قبل خمس وعشرين سنة وحصل على قرض أعانه في بناء مسكن جميل له ولأسرته، وفعلاً انتقلت العائلة إلى منزلها الجديد المملوك لهم هذه المرة وبعد سنتين أو ثلاث أو عشر اضطر الأب مرغماً وتحت ظرف من الظروف لبيع السكن والتنازل عن القرض، ولم يتبق بيده إلا مبلغ بسيط لا يكفي لشراء أرض فاستأجر سكناً وبقي يبحث ويسعى ويشقى لعل وعسى أن يحقق آمال أسرته غير أن أسعار العقار كل يوم في تصاعد، وحين سمع بنية الوزارة في مساعدة من لا يملك سكناً تقدم بطلبه وهو مؤمن في أعماق قلبه أنه مستحق فعلاً، لكن الوزارة خيّبت آماله وأحلام أسرته حين رفض طلبه، ويوم سأل عن السبب قيل له: يكفي أنك قد تقدمت إلى صندوق التنمية وهذا يكفي لحرمانك، قال لهم: إني بعت العقار وتنازلت عن القرض لمواطن آخر فقيل له: وبهذا تكون أنت ومن تنازلت أو بعت له محرومين من الاستحقاق، سألهم أخيراً وفي محاولة يائسة لبعث أي أمل: وهل في نيتكم بارك الله فيكم إقامة ملاجئ حول المدن أو حتى في البراري القريبة تؤوي الساقطين من عقول المسئولين.