نعم من لايبكي ملكَ الإنسانية، ملكَ القلوب، ملكَ السماحة، ملكَ العفوية، ملكَ التواضع، ملكَ الصّدق والصراحة. إن سمعتُ راثيًا له قلتُ هذه كلماتي، وإنْ سمعت شاعرًا يسرد بعضًا من أعماله أو حدبه قلت هذه أفكاري، وإنْ رأيت باكيًا عبدَالله قلت كأنه يبكي مثلي أبًا وقائدًا وحكيما. عزاءٌ عمَّ الأمة، ورأيت كلَّ فرد يعزي مَن يقابله عَرفه أو لم يعرفه. فالحدث جلل، والمصاب كبير، فقد غاب عنّا صرحٌ من صروح الصدق، وقائدٌ شهم من قادة الإصلاح والعدل، له باعُه المعروف في خدمة الضعفاء، وأياديه البيضاء في إغاثة الملهوفين، ونَهْجُه الذي اختطَّه في إقامة العدل بين الرعية، عرفنا ذلك فيه من خلال كلماته وتوجيهاته للمسؤولين، حتى إننا نشهد على ذلك له ـ يرحمه الله ـ حينما وجَّهنا بشدَّة وحسمٍ بألَّا نستثني أحدًا فوق أنظمة وزارة التربية والتعليم، ولو كان من أبنائه - وفعلاً كان الموقف لواحدٍ منهم - أو واحدًا من أسرته، أو من أبناء المسؤولين في الوزارة، وهذا يتَّسق مع العدالة والمساوة التي حرص على أن تكون سلوكًا لدَى كل مسؤول فكيف لا نبكيه، وقد عمَّت سيرته العطرة أرجاء المعمورة، ومسارعته في الخيرات أنحاء الدنيا، ويضيق المجال هنا عن الاستشهادات على ذلك، فهي كثيرةٌ بقدر عظمة أعماله، غفر الله له وأعلى قدره في عليين.
وكيف لا نبكي عبد الله الذي لم تفتقده - فقط - عائلته الصغيرة على امتداد المملكة، بل فقدته عائلته الإسلامية والعربية، فقدته قائدًا مغوارا هبَّ لها مُنجدًا ومعينا، مدافعًا عن قضاياها مُكفكفًا لدموعها، جامعًا لشملها، حاميًا لمبادئها طوال حياته، صادعًا بما يُمليه عليه ضميره الحي في بيته، وفي مكتبه، وفي لقاءاته وفي محافله.
ستبكيك المنابر العربية، والمحافل الدولية، وستفتقدك الكلمة الثابتة، والمواقف الحازمة، والرؤي الثاقبة ، وميادين الشهامة الوثَّابة.وتفتقدك ساحات الصراحة، وميادين التواضع والسماحة.
رحمك الله ياعبد الله بن عبدالعزيز، وغفر لك وعوَّضنا وأُمَّتينَا الإسلامية والعربية فيك خيرا، وأجزل لك العطاء بكرمه وفيضِ عطائه.
وعزاؤنا إلى سلمان بن عبدالعزيز الذي عاش قلبه نكساتٍ حارقة في العقد الأخير، أدمت فؤاده على فقدانكم واحدًا تِلوَ الآخر. أحسن الله عزاءَه في حبيبه عبدالله بن عبدالعزيز وأعانَه على تحمل تبعات الأمانة الأصعب في الزمن الأصعب.
اللهم أيّد سلمانَ بن عبدالعزيز، وأعنه وأخاه مقرن بن عبدالعزيز وابنهم محمدَ بن نايف، وثبّت اللهم خُطاهم على الحق، وقول الحق، وفِعل الحق، وسدّد خطاهم على الطريق الصحيح الذي ترضاه لهذه الأمة. وجنّب ياربَّنا بلدَنا وأمَّتنا ــ بقيادتهم ــ كلَّ سوء، واحفظها من كل مكروه.
و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.