عالم عجيب يتشارك في العواطف والآمال والغايات إلى حد كبير، إلا أنه لا يدرك هذه التشاركية العجيبة إلا حينما يلمسها في مواقف مصيرية مهما كان هؤلاء الشركاء.
يوم الرابع من نوفمبر عام 2008 كان يوماً غير عادي في التاريخ العالمي، أسطورياً بكل المقاييس، وسيظل العالم ينسج أقاصيصه التي جمعت بين الحلم والخيال والحقيقة.. ومقدمات ذلك اليوم وأحداثه ونتائجه.
الكرة الأرضية كلها كانت تتابع بلهفة ذلك السباق المحموم والطويل على سدة الرئاسة الأمريكية في جوٍّ يحسب للأمريكيين؛ من حيث نظام ديمقراطية تداول السلطة، وفق ما خطه لهم أسلافهم عبر عقود طويلة، فكانت لحظة إعلان فوز (باراك أوباما) ذي البشرة السوداء والأصول الإفريقية.. لحظة الحقيقة التي لن تنسى، والتي غيرت مجرى التاريخ في أمريكا والعالم.
لقد نقلت القنوات الفضائية ما استطاعت من مشاعر البشر في كل قارة من القارات الست في ذلك الزمن المهيب، فجاءت المشاعر متشابهة.. أفراح في كل مكان ممزوجة بالدموع، وإجماع الإنسانية على اختيار أوباما، بالرغم من أن العالم لا يعرف عنه كثيراً سوى لونه المختلف الذي كان في يوم ما مثالاً على العبودية.
إذاً؛ ما الذي جعل أجزاء واسعة من هذا الكون يتمازج فرحاً، ويقبل بهذا الإنسان بالرغم من الجهل به وبتاريخه الأكثر أهمية وبمواقفه من كل شيء؟!.. كيف يمكن أن نُفسر هذا البكاء في أستراليا وفي الصين وأعالي سيبيريا وأدغال إفريقيا وفي غابات أمريكا الجنوبية وفي المحيطات المتجمدة.. وأمام شاشات التلفاز وأجهزة المذياع.. وفي كل شارع من شوارع الولايات المتحدة الأمريكية؟!.
لِمَ هذا الإجماع منقطع النظير حتى من الذين كانوا يدفعون بالمنافس الجمهوري إلى المقدمة؟!.. لِمَ هذه الرغبة الجامحة من الأبيض أن يقف هو وزوجته الشقراء راضيين بأن يكونا تحت إمرة حاكم أسود وزوجته.. ويفخران بشرف أن يكونا في معية (رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك حسين أوباما وسمراوية)؟!.
إنها لحظة الانعتاق من التسلط والأحادية وفرض منطق القوة.. إلى الطبيعة البشرية والعدالة السماوية في تساوي الناس أمام بعضهم! هذا هو الاختلاف المهم في تلك اللحظة، الذي غطّى على ما سواه مهما كانت درجة أهمية أو نوعية ما قد يخفى عقب هذه اللحظة الحاسمة.. حيث بانت هنا مشاعر التعطش للعودة إلى الفطرة فقط؛ ولذلك فقد تصاعدت في هذه اللحظة توقعات البشرية وآمالها في أن يكون هناك تغيير يصاحب هذا اللون والدم المختلف.. يتفق مع ما يحتاجه العالم اليوم للعيش في أجواء يسودها الأمن والعدالة والرحمة والاحترام.
هذه النفس البشرية التي كانت تغلي من الداخل حول العالم، تؤمن أيضاً في قراراتها أن الأهلية والكفاءة هي التي يجب أن تسود، مدركة حجم الظلم الذي تسنه قوانين يمكن تطويعها بحسب أهواء ومصالح المتنفذين، فتتبعها الشعوب بدون رضا كامل، فتبقى الغالبية مضطرة للانقياد للرأي الأعلى صوتاً الذي يسيطر عليه القوي المتفرد؛ فيتحتم عليها غالباً القبول بالسير في الطريق المعوج.
فاز أخيراً باراك حسين أوباما برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.. وتنفس العالم الصعداء، ويبقى المقبل من الأيام في علم الغيب.. ورسم هذا الفوز خارطة طريق إنسانية جديدة تناسب جغرافيا الذات البشرية النقية في كل مكان.. ولو بقي المحيطون بالرئيس الأسود يبكون طويلاً ولو بكوا دماً في يوم (انتصار النفس البشرية) لقلنا معك الحق أيها الإنسان!.