حينما يُطلق الاسم هكذا بدون مقدمات الألقاب والمناصب فهو بالتأكيد يعني عَلماً ورمزاً ذا شأن وصيت، يُدرك السامع أنه المقصود بذاته دون غيره. والرمز الفذّ هنا هو أبو متعب الذي حاز ألقاب المجد والسّؤدد، ومَنَحَه الجميع أوسمة الحب والتقدير، وتعلقت قلوبهم به بعد الله سبحانه؛ إذ إنه كان ـ رحمه الله ـ بمنزلة الأب الرحيم لكل أبناء شعبه المحب الودود، يبادلونه الوفاء والإخلاص، بقلوب صادقة داعية له بالخير، وها هي تلهج بالدعاء له بالقبول والمقام الرفيع عند ذي العرش المجيد لقاء ما قدم لوطنه وأهله وللأمتين العربية والإسلامية. رجلٌ ملأ الدنيا، وملك القلوب حباً وتواضعاً ودماثة خلق وأعمالاً جليلة راقية، ومواقف إنسانية شملت أنحاء الكرة الأرضية، وصِدْقه في القول جُمل قليلة إلاّ أنها تحمل المضامين العميقة والمدلولات البليغة، تلمس من عباراته الموجزة الصرامة في الحق والشمولية في المعنى والتلطف في الطرح، والبراعة في الإيماءات، والحذق في التلميح، دون جرح للمشاعر أو إحراج في المواقف، ورُقي في التوجيه، فتصدر أوامره وكأنها طلبات توجَّه إلى من عنده القرار، ويعرف المتلقي أنها تصدر من قلب واسع وعقل راجح، تحيطها المشاعر الأبوية الفياضة بالنبل وجداول العطف والحب، وأنهار من الكرم والعطاء للوطن والمواطن، وسحائب ومُزْن هاطلة من الوفاء لكل هذه الأعناق المشرئبة لمزيد من الرفاهية والرخاء، وهو ما كان في عهد الفقيد عبد الله بن عبد العزيز - جزاه الله لقاء ما وعد وأوفى لشعبه ووطنه - هو بحق خسارة للوطن والمواطن، غير أنها سُنّة الله في كونه. وعزاؤنا أنه ما غاب ورحل عنا قامة عملاقة بأفعالها وتفانيها خدمة للدين والديار إلاّ وتحضر قامة لها ذات الوزن والاعتبار والقيمة، وبذات الأبعاد من التجارب والخبرات، لا نشعر بالفقد والغربة، ولا نحس بفراغ في قمة السلطة من شأنه أن يقلق المواطن أو يربك وتيرة حياته. العقول الراجحة في بلد الخير والأمن والطمأنينة لم تترك المواطن نهباً للهواجس وتقلبات الآراء التي تغذيها آفة الشائعات والدسائس المغرضة، التي تنشط وتنبعث من مرقدها ومخابئها في كل ظرف وحالة طارئة؛ لتوسوس لأصحاب العقول غير المتزنة بما لا يعقل ولا يليق في بلد كبلاد الحرمين والمقدسات، التي تسوسها عقول كعقول (عبدالله وسلمان)، فقد أثبت قادة المملكة ورجالها الصادقون أنهم على قدر المسؤولية وأهل للقيادة، فليس بين رحيل زعيم وقيام خلفإلاّ سويعات، لم يشعر بها كثير من المواطنين، ولفتت انتباه كثير من المراقبين وأهل الاختصاص والمهتمين في أنحاء العالم؛ ما رفع حجم ورصيد السياسة السعودية في الأوساط الدولية، ومنحها مزيداً من أوسمة وشهادات التقدير؛ فالقيادة مستمرة لم تتأثر، وسلاسة انتقال المسؤولية والسلطة تمت بكل هدوء وعقلانية وشفافية واحترام متبادل، هو في حقيقته ديدن قيادة هذه البلاد، فلم يستغربه أحد هنا أو هناك. فرحم الله من فقدناه ورحل بجسده وبقيت ذكراه وسيرته العطرة، ووفَّق الله خلفه إلى حمل الأمانة وأداء الرسالة، وهو ـ حفظه الله ـ بها جدير لما يملكه من فكر قيادي وبُعد نظر بالدبلوماسية والسياسة الدولية.