تتصاعد وتتزايد المطالب بنشر الثقافة الشرعية والقانونية لبشاعة جرائم القتل، وتفعيل دور المهنيين من الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين والقانونيين؛ فالصور التي سيتم عرض بعض منها كأمثلة تدل بمجملها على أن حالات القتل لم تصل إلى حد الظاهرة الاجتماعية بالمملكة، أي أنها مقارنة بإحصائيات وأوضاع اجتماعية أخرى تعد متدنية نسبياً بفضل الله، غير أن ذلك لا يعني ترك مكافحة أسبابها، والتوعية بخطرها على المجتمع، وآثارها المدمرة اللاحقة على الفرد والأسرة.
وتعدد أسباب الخلافات الطارئة بين إنسان وآخر نوعت طرق حالات القتل ووسائله، فلا يجمعها سوى عنصري الانفعال غير المتزن وغياب تقدير العواقب الوخيمة لاقتراف جناية القتل مهما كانت أسبابه ومبرراته، فهو في النهاية قتل إنسان، والخلاف لا ينتهي بالاعتداء حتى لو كان لفظياً، فكيف بغيره؟! ليتنا نطبق أسلوب الحوار الهادئ، أو على أقل تقدير الحوار المنطقي العقلاني في حالات الغضب، كالخلافات المرورية والميول الرياضية، وفي كل شؤون الأسرة والمجتمع وبيئات العمل وغيرها.
الكلمة الطيبة والابتسامة والهدوء كلها مفاتيح للتفاهم والحوار المفيد، وتمتص غضب الطرف الآخر (إذا اقترنت باللباقة والدبلوماسية)؛ حتى لا تخرج إلى إيحاء مغاير؛ فيظن المقابل أنك تستهزئ أو تقلل من قيمته. وأقرب مثال لذلك الطالب السعودي المبتعث بأستراليا حين تحول اعتداء لفظي عنصري من شابين أستراليين على المبتعث إلى صداقة، بعد أن قبلا دعوته لشرب القهوة بأحد المقاهي، وتجاذبوا أطراف الحديث عن مشاكل العنصرية التي يتعرض لها الطلاب المبتعثون في أستراليا، وقدما اعتذارهما لما بدر منهما.
هذا المبتعث كان رائعاً وهو يضبط انفعالاته ويكيفها ويوجهها نحو النتيجة والمحصلة الإيجابية. وبالعكس من ذلك، أُصيب شاب عشريني بالدمام بأعيرة نارية عدة، صوبها له شقيقه مؤخراً، نتيجة خلاف ثار بينهما، ونُقل للعلاج في حالة حرجة. أخوان يقتتلان بسبب خلاف، مهما كانت حدته وأسبابه فلا يجب أن يتطور إلى هذه المراحل غير المبررة شرعاً وأخلاقا وتراحماً. ومثل هذه القصة ما حدث لأسرة كانت تتنزه قرب مزدلفة، وتعرضت لاعتداء من قِبل قائد مركبة، بعدما طلب رب الأسرة منه الرجوع للخلف والابتعاد عن عائلته، فبادره قائد المركبة باقتحام بساط العائلة بمركبته، وأطلق عليه ثلاث طلقات من مسدسه؛ نُقل إثرها للمستشفى، ولاذ الجاني بالفرار.
هذا اعتداء صارخ وعنجهية جهلية وغياب للوعي بكل صوره، مهما قال من مبررات؛ فالكلام يرد عليه بالكلام، وليس بالسلاح، وحبذا لو كان الرد بكلام لطيف؛ ليرى ردة الفعل العجيبة من الطرف الآخر. وقد قرأت لأحد المختصين قوله: «تتم بعض الحالات تحت وطأة أمراض نفسية، أو لإشباع غريزة، أو الغضب الشديد الذي يصل بالشخص إلى عدم السيطرة على جوارحه، كجرائم الشرف والعرض أو المشاجرات، وجرائم القتل المرتبطة بتعاطي المخدرات والمسكرات وتأثيرها المباشر على الإنسان؛ إذ يفقد عقله؛ ويتصرف بطريقة غير شعورية. كما أن انعدام الوازع الديني يجعل المجرم يقدم على هذا الفعل المشين. ومهما كانت الأسباب فإنها لا تبرر بأي حال من الأحوال القتل مهما كانت صوره ودوافعه». ويوجه كثير من المختصين نداء إلى التربويين بالاهتمام بتعديل سلوك الطلاب المنحرفين أكثر من اهتمامهم بالموهوبين.