رحم الله الملك عبد الله بن عبد العزيز وأسكنه فسيح جناته، كان حتى في لحظات مرضه يسأل ويوجه بما فيه الصالح العام للوطن والمواطن. قبل أن أشير لماذا هذا الحزن عليه ولماذا أحبه الناس، أشير إلى أنه حكم البلاد في فترة صعبة من التحولات الدولية بدأت بأحداث سبتمبر التي وضعت بلادنا في فوهة المدفع للشامتين وجعلتنا موضع اتهام لكل تجاوزات الصغار الذين ابتعدوا عن الطريق السليم في معالجة قضايا الأمة. واحداث التدخلات الخارجية في دول الجوار والثورات العربية وتفكك الأنظمة الحاكمة، واختلاف بعض الأشقاء وتقلبات الاقتصاد. لم تترك الأحداث المتسارعة والمتداخلة المحيطة للقيادة التقاط الأنفاس وإنما جعلتها في مواقف متوثبة بشكل دائم، وقد استطاع الراحل بعزيمته ورجاله المخلصين من تجاوز تلك الويلات وتجنيب بلادنا أعاصيرها التي لم اقتلعت الأخضر واليابس. ربما يكون سهلاً التنظير لاحقًا حول التفاصيل، لكن الإنصاف يستوجب القول بأن الهدف الرئيس في تجنيب بلادنا الفتن والشرور كان يتحقق بشكل فعال بفضل حنكة القيادة الحكيمة. كانت المملكة في قلب الحدث تأثرًا وتأثيرًا، والمؤكد أنها جنبت شعبها ويلات الحروب والفتن والفوضى، وهو ما لم تستطع فعله دول عديدة لها من العراقة التاريخية والسياسية.
على المستوى الداخلي أسهل مقياس هو سؤال الناس لماذا أحببتم عبد الله بن عبدالعزيز؟
سيقولون إنه كان المتواضع معنا؛ زارنا في مناطقنا، وأسواقنا وأحيائنا الفقيرة. وقر كبارنا وحفز صغارنا. فتح أبواب المستقبل أمام أبنائنا وبناتنا بهذا التوسع في التعليم والابتعاث وفتح فرص العمل والرزق الشريف لهم. اهتم بالبرامج الاجتماعية بما فيها الضمان الاجتماعي وزيادة الجمعيات الخيرية والتعاونية. اهتم بالعمل الشبابي فافتتح ملعبه الجوهرة وأمر بمثلها في كل المناطق. اهتم بالأطراف فعين الوزراء من الشمال والجنوب، وفتح المدن الاقتصادية والصناعية في أقصى الشمال وأقصى الجنوب. فتح آفاق الحوار ووسع دائرة النقد الإعلامي حتى تلاشت بعض الخطوط الحمراء الوهمية في نقد الشأن العام والمسؤولين. وضع لبنة المستقبل في خطوط القطارات داخل المدن وبين المدن. أسس مبدأ محاربة الفساد وهيئة نزاهة. وغير ذلك مما لست بصدد إحصائه ولكن استحضره كمؤشر لحب الناس لعبد الله بن عبدالعزيز، -رحمه الله- وغفر له وأسكنه فسيح جناته.
وعن الراحل اختم بما قاله سفير إحدى الدول العربية أثناء مراسم العزاء. يقول: نحن من الخارج كنا نتساءل عن سر هذا الحب الذي يكنه الشعب السعودي للملك عبدالله، ملك يبدو من الخارج بسيطًا متواضعًا ولكن في قراراته كانت تمتزج الحكمة بالصرامة. لستم أنتم كسعوديين تحترمونه وتقدرونه بل زعماء الدول العربية والصديقة كانوا يحترمونه والكلمة عندما تخرج منه يتقبلونها بحب، يتمعنون في معانيها الحكيمة العميقة..
رحم الله عبد الله بن عبد العزيز وعزاؤنا في تولي أخيه وولي عهده سلمان الحكم، ليكمل المسيرة ويحمل الأمانة التي توارثها أخوته ملوك هذه البلاد من بعد والدهم المؤسس العظيم -طيب الله ثراه-.
الملك سلمان بن عبد العزيز ليس غريبًا أو بعيدًا عن موقع القيادة، فقد أطلق عليه مستشار الملوك لقربه من اخوانه ملوك السعودية السابقين، ورائد العمل الخيري لما قدمه من تحفيز ودعم إداري قبل أن يكون ماديًا للجمعيات الخيرية، ورائد العمل التنموي لما حققه في تحويل الرياض إلى مدينة عالمية تضاهي مدن العالم الكبرى، ورائد مؤرخي الدولة السعودية لما عرف عنه من عناية بالتاريخ السعودي، وصديق الصحفيين لتفاعله مع الكلمة وكتابها.
لا شك أن هذا الرصيد من الخبرة والريادة يجعلنا نحتفي بملكنا الجديد، الملك سلمان، وكلنا ثقة بأن بلادنا تودع حكيمها الراحل ليقودها حكيم آخر.