لقد تطور مفهوم الجودة من المفهوم التقليدي إلى مفهوم الجودة الشاملة. وما من شك في أن المفاهيم المختلفة سواءً كانت إدارية أو اقتصادية... الخ, لم تعد جزراً منعزلة في محيط العلوم الاجتماعية العام. فقد زالت عتبة الغربة بين هذه المفاهيم، وأصبحت العلاقة فيما بينها علاقة جدلية ذات تأثير متبادل. الجودة كمفهوم لها أبعاداً إدارية واجتماعية واقتصادية... الخ، ويمكن اختزال هذه الأبعاد في ثلاثة مفاهيم هي: الفعالية، والكفاءة، والتميز، والتي تمثل توليفة يتحقق بها مفهوم الجودة الشاملة. تتمثل الفعالية في واقعية المخرجات وتناسبها مع الواقع والاحتياجات، وهو ما يسميه البعض تناسب خريج المؤسسة التعليمية مع سوق العمل. ويمكن القول بأن المؤسسة التعليمية في هذه الحالة تكون فعالة.
ويفرض هذا البعد على المؤسسة التعليمية متابعة وملاحقة التغيرات التقنية والسوقية وإلا تلاشت, لأن مخرجاتها تكون في واد وحاجة الأسواق في واد آخر. أما البعد الثاني وهو الكفاءة فهو مفهوم اقتصادي يتعلق ليس فقط بتقديم المخرج بأفضل صورة ممكنة ولكن كذلك بأقل تكلفة ممكنة. فالموارد مهما كبر حجمها تظل محدودة مقارنة بالحاجات غير المحدودة، وهنا لا بد من الاختيار الرشيد بين طرق ووسائل رفع الجودة باختيار الطريقة التي تعِد بتحقيق أفضل مردود ممكن بأقل تكلفة ممكنة.
أما الحديث عن البعد الثالث وهو التميز فينصب في المقام الأول على طريقة العمل داخل المؤسسة التعليمية التي ينبغي أن تفرز مخرجات يومها أفضل من أمسها وغدها أفضل من يومها، إضافة إلى تميزها عن مثيلاتها أداءً وإنتاجاً. فقد تحقق بعض المؤسسات التعليمية طفرات متقطعة من التميز في المخرجات لا تتميز بالاستمرارية، وقد تبدأ مؤسسات أخرى متميزة في أدائها ومخرجاتها إلا أن هذا التميز يتقلص شيئاً فشيئاً. المؤسسة التعليمية المتميزة تميزاً صعودياً هي التي تتبنى العمل بداخلها بروح الفريق الواحد وتحاول الوصول إلى تحقيق الرضا الوظيفي للعاملين وتعمل على تقوية أواصر العلاقات الرأسية والأفقية وتتيح الفرص التدريبية والمستمرة للعاملين وتجمع في إدارتها بين الانضباط والمرونة.
بهذه الثلاثية ( الفعالية - الكفاءة - التميز) يتحقق مفهوم الجودة الشاملة في المؤسسات التربوية التعليمية والتي يعرفها البعض بأنها أسلوب تطوير شامل ومستمر في الأداء يشمل كافة مجالات العمل التعليمي، فهي عملية إدارية تحقق أهداف كل من سوق العمل والطلاب، أي أنها تشمل جميع وظائف ونشاطات المؤسسة التعليمية ليس فقط في إنتاج الخدمة ولكن أيضاً في توصيلها, الأمر الذي ينطوي حتماً على تحقيق رضا الطلاب وزيادة ثقتهم وتحسين مركز المؤسسة التعليمية محلياً وعالمياً.