أقام الليل أشرعته، ومازال يرقب عودته، ونبض قلبه يتخطى أنحاء الصدر ليسمع الدنيا شدو حبه، ورنين تعلقه، ومناجاته لأبيه.. إلى أين رحلت أيها الغالي؟ أأغضبتك كثرة أسئلتي؟ أم تأخري عن النوم؟ أم إفراطي في أكل الحلوى؟ عد يا أبت، وسأكون ابنا مطيعا -كما أردت-، وفارساً هماماً -كما حلمت-.
وتدفقت العبرات فوق وجنتيه تنسج قصة انتظار لطيف لن يعود، والدنيا ما زالت تعاديه، وتجادل نفسه في حقها، وتسلب أمانيه جمالها، وظل هو يخدش وجه البراءة بأسئلة لا ترعوي عن تقليب الأحزان: أحقا ما سمعت يا والدي عن ذهابك إلى دار أخرى؟ فلماذا لم تحملني معك؟ عد يا أبي وأطيعك، أقسم لك.. وبقي على حاله تلك يحصي النجوم.كانت خواطره الكبيرة تتشبث بقلبه الصغير، وتصفع وجه اليتم، وبينما هو مسترسل في تلك التساؤلات سمع أمه تناديه فهب إلى إجابتها خوفاً أن يفقدها هي الأخرى، وآب إلى فراشه وهو عازم على انتظار والده في الليلة المقبلة.
هيفاء العقيل - (اللوحة للفنان / دونالد زولان)