تعاني مجتمعاتنا من أمراض اجتماعية فتاكة تستدعي تدخل الأطباء النفسيين والأخصائيين الاجتماعيين والمصلحين والروحانيين والأدباء والمفكرين من أجل تشخيصها ووصف العلاج المناسب لها، وللأسف تلك الأمراض لا يتوافر لها عقار جاهز نتجرعه ونشفى، حيث تكمن صعوبتها في موطنها، فهي تعشعش في الدماغ،
إنها مفاهيم ومعتقدات وأفكار وخلفيات اجتماعية، ومن أجل مداواتها يتطلب توافر جهود كبيرة للتخفيف من أعراضها بهدف القضاء عليها.
من بين هذه الحزمة من الأمراض اخترت مرضاً فتاكاً يسيطر على عقولنا، يجتاح أفكارنا، يلبسا، يؤرقنا، يجعلنا خائفين متوجسين، نرتاب من الآخر لدرجة الانعزالية أو محاولة صده بكافة الأسلحة المتوافرة التي نملكها، مستعدين دائماً وجلين والريبة تصبح هي سيدة الموقف.
إنه مرض «الإصابه بالعين» والعين - وإن كنا لا ننكرها - هي الشماعة التي نعلق عليها كافة إخفاقاتنا وأزماتنا ومشاكلنا وأمراضنا الفسيولوجية «التي في معظمها نفسية»، فالأشخاص الذي يتملكهم هذا المرض تجدهم منذ إصابتهم بأي عارض كان سواء مكان مرضاً أو مشكلة أو أزمة يرجعونها مباشرة إلى «عين فلان» أو «عين علانة»، فالاستعداد للاستطباب أو لحل المشكلة أو الأزمة التي تواجههم متدن ٍجداً نتيجة سيطرة هذا المعتقد على تفكيرهم فيبقون دائرين في دوامة العين والحسد إلى أن يقضى عليهم.
إن سيطرة تلك المعتقدات على التفكيرلديهم تترجم إلى ردود أفعال وتصرفات دفاعية وقائية، فتجدهم دائماً يشتكون من الأمراض أو من كثرة المشاكل التي يعانون منها ليدرؤوا عنهم تلك العين الشريرة، لدرجة أنك تخشى مجالستهم حتى لا تلوث طاقتهم السلبية طاقاتك وتتأثر بأنين وصرخات آلام أجسادهم، أو تجدهم في المناسبات الاجتماعية يقومون بجمع بقايا القهوة في الفناجين من الضيوف» حصري سعودي» ليشربوها كإحدى الإجراءات الوقائية التي يتبعونها وما يتبع ذلك بدون شك من مشاكل صحية خطيرة.
إن الأدهى والأمرّ من وسائل الوقاية المتبعة، هي طرق العلاج، والتي يخيل إليك أننا في عصور غارقة في متاهات التخلف والجهل، فهذا شيخ يضرب إنساناً «معيوناً» ويعذبه لإخراج الجني الذي يسكن بداخله، وهذا ماءٌ مقروءٌ عليه ليشربه «المعيون «وقد امتلأ ببصاق ذلك الشيخ المطبب مع ما يحمله من أمراض، أو حجاباً كتبت فيه طلاسم وووو. إن جميع الوسائل العلاجية الممارسة والتي يفوح منها الباطل والدجل هي للأسف متداولة لدى شريحة كبيرة من المجتمع، تؤمن بها وتسيطر على تفكيرها، وتصدي الدولة لهؤلاء الدجالين بات ضرورياً فهم يأخذون من الدين ستاراً لكذبهم وأباطيلهم.
لا يخفى علينا في هذا السياق «استحضار قانون الجذب الفكري» فأنت ما تفكر به وأنت ما تجذبه، إن هذا القانون ينص على أن قوة أفكار أي شخص لها خاصية جذب كبيرة، فعندما تفكر في أشياء أو مواقف سلبية تجتذبها إليك، وكلما تفكر أو تحلم أو تتخيل وتتمنى أشياءً رائعة وجميلة تريد أن تقتنيها في حياتك تجذبها إليك أيضاً، وطبقاً لهذا القانون فإننا عندما نفكر بالمرض والألم والأسى والمشاكل نحن نجذبها لنا وبقوة فالأفكار تسيطر على الأفعال وتترجم إلى واقع، فلماذا لا نفكر بالأشياء الجميلة والرائعة ونعلن عنها للآخرين ونكون ممتنين لما أعطانا الله من نعم كثير فنسبح بحمده «وإن شكرتم لأزيدنكم».
دعوا العين وشأنها لقد رمدت وأصبح بها القذى حد العمى لكثر ما حملتوها من مصائب، أنا لا أنكر العين فهي حق ولكن أن تسيطر علينا لتصبح مرضاً اجتماعياً خطيرا ونلقي عليها كل هذه التهم فهذا المرض بعينه، والعين أول من تصيب من تتملكه وتصبح هاجسه فتقلب حياته توجساً وأرقاً وريبةً واضطراباً نفسياً وجسمياً ومن ثم تعمل للقضاء عليه.