تتداخل وتتشعب تداعيات قضية «زواج القاصرات»، فهناك عدة عوامل تساهم في تأصلها وتفاقمها، منها العامل الاقتصادي المتمثل في الفقر والطمع، والاجتماعي المتمثل في العادات والتقاليد والظروف الأسرية المفككة، والعامل الديني حيث يحلله الشرع ولا يعترض على حدوثه بل ويعتبره من السنة النبوية الطاهرة.
لقد أثار موضوع «زواج القاصرات» في أوساط الرأي العام السعودي هذه الأيَّام زوبعة تمثلت في سؤال تم طرحه على المفتي من قِبل أحد المحررين عن جواز «زواج القاصرات»، من هن دون الخمسة عشر عاماً، وقد أجاب المفتي بجواز ذلك في الإسلام وعدم تحريمه.
لقد أثار هذا التصريح عواصف هوجاء لم تهدأ إلى هذه اللحظة، مما يثير في الذهن رواج ظاهرة «إعلام الصرخة»، فهو إعلام غير مسؤول وغير موضوعي. لقد طرح على المفتي سؤالاً واضحاً وصريحاً وأجاب المفتي بكل صدق وصراحة حسب النصوص الشرعية المتبحر بها، فليس هناك أي نص شرعي يحرم زواج القاصر، ولكن إثارة تلك الزوبعة الإعلامية تجعلنا نتساءل ونرتاب في أن يكون هناك أجندة معينة تهدف إلى التشكيك في جهاز الإفتاء لدينا!.
إن اختلاف الزمان والمكان يحتم علينا مراجعة النصوص، فما كان جائزاً ومباحاً في صدر الإسلام أصبح محرماً الآن، ومثال على ذلك، نظام الرق الذي كان مباحاً في الإسلام وقد تم إلغاؤه بقرار إداري من الملك فيصل - رحمه الله - لما فيه من تجاوزات لا إِنسانية وتعدٍّ على حقوق الإِنسان في عصرنا الحالي، فالزمن المعاش يحتم علينا أن نكون أكثر وعياً لصناعة واقع أفضل.
ولا تخفى علينا الآثار الاجتماعية والنفسية والصحية على الأطفال لأم قاصر، فالواجب التربوي لديها غير مكتمل ناهيك عن الضرر المباشر في حق الفتاة نفسها وما يتبع ذلك من انعكاسات اجتماعية سلبية خطيرة على الأسرة وعلى المجتمع بأسره.
لقد شغلت تلك القضية حيزاً في أروقة وزارة العدل وبدأنا أيضاً نستشعر بصمات «مشروع الملك عبد الله - حفظه الله - لتطوير القضاء، «فهذه البصمات ظاهرة للعيان وعايشناها من خلال بعض القرارات الداعمة للمرأة، منها القرار التاريخي بمنح المطلقة حق الولاية على المحضون.
لقد أعلنت الوزارة مشروعاً «لزواج القاصرات»، وقد حددت فيه توصياتها بشأن إقرار الآلية المناسبة لمعالجة زواج النساء، لقد تضمن المشروع السماح بزواج من هن دون الخمسة عشر عاماً من الفتيات، وذلك بعد استكمال ثلاثة ضوابط والتي تشمل، تقديم تقرير طبي من لجنة متخصصة تثبت أن المرأة مكتملة من الناحية الجسمية والنفسية والعقلية وأن الزواج لا يشكل خطراً عليها، وإثبات موافقة الأم والفتاة خصوصاً إذا كانت الأم مطلقة، والتأكيد بعدم إتمام الزواج بعد عقد القران مباشرة حتى تتهيأ الفتاة نفسياً. لقد أوقفتني فقرة مصيرية في هذا المشروع وهي تحديد سن تزويج الفتاة بخمسة عشر عاماً، على الرغم من أن المملكة قد وقعت على اتفاقية «حقوق الطفل»، ووافق أيضاً مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 24 - 1 - 1436هـ على «نظام حماية الطفل»، والذي في مادته الأولى يعرف الطفل بأنه كل إِنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر، ومن هن تحت الثامنة عشرة من الفتيات يعتبرن أطفالاً لا يجوز تزويجهن. إن المملكة ملزمة بهذه الاتفاقية وببنود «نظام حماية الطفل» والمطلوب من وزارة العدل أن تدرجها من ضمن بنودها وتشريعاتها، فيكون سن تزويج الفتاة ثمانية عشر عاماً وليس خمسة عشر عاماً حسب المشروع المطروح.