إلى أين يتجه هذا العالم؟ الحرائق في كل مكان، لم يعد ثمة مكان آمن، لقد انقلبت الأحوال التي كانت تسر إلى الحالة المريرة الشريرة الخطيرة التي تضر!
كان يا ما كان!
كان هناك عالم آمن أو شبه آمن!
أما اليوم فلا مكانا آمنا على الإطلاق في هذا العالم، لم يعد ثمة ما يمكن أن يطمئن فيه إنسان على نفسه من الخطر، إن ذهب إلى فندق أو متجر أو شارع أو متنزه أو بنك أو مدرسة أو جامعة أو جامع أو مجلة أو جريدة فقد تنفجر وبدون سابق إنذار، وإن سافر في طائرة أو باخرة أو قطار فقد لا يصل إلى مبتغاه، فلربما نهض من كان بجانبه فجأة وأشهر سلاحه في وجهه ووجوه الركاب!
دخل العالم في حالة فوضى!
بدأ الصراع في مطلع الثمانينيات بين الغرب والشرق في أفغانستان ووقوده العرب والمسلمون، ثم امتد اللهب إلى الصومال والعراق وسوريا واليمن وليبيا ونيجيريا؛ بدأت الحرائق التي أشعلها الغرب في ديار المسلمين حين كان الصراع بين الرأسمالية والشيوعية يدور في تلك الجغرافيا المشتعلة على الحدود السوفيتية ووقودها المسلمون بالطبع وكأنهم يقاتلون بالإنابة، ثم انتقل اللهب إلى العراق ثم إلى سوريا وهو نفسه ذلك الذي كان يدور بين الكتلتين ولكن في جغرافيا جديدة وبالأدوات الأيدلوجية والطائفية القديمة في أفغانستان نفسها!
أنابت القوى العظمى من يقاتل عنها في ديارهم!
يتصارع العرب على حلبتهم بالإنابة عن القوتين العظميين، والغالب أحدهما، والمغلوب حتما نحن!
يديرون المعارك ونحن أبطالها!
يوقدون أوار الحروب ونحن وقودها!
يثيرون الفتن بإشعال أوار الاختلافات والتناقضات الدينية والطائفية والمذهبية والقبلية، والخاسرون من الإحن والمحن والصراعات ليسوا هم؛ بل نحن!
هم يصدرون الخطة ويرسمون حدود المشروعات ويرفقون معها المؤونة والعتاد ونحن من يقدمون نفوسهم رخيصة لتنفيذ خطة الهدم والتفتيت بغباء!
الغرب يمد المتصارعين بالسلاح على حلبتهم وفي أوطانهم وهم يريقون دماء بعضهم البعض بالإنابة، وكلما أوشكت أدوات القتل والإبادة على النفاد لم يتأخر المدد ؛ لاستمرار مسلسل الموت والإفناء، كي لا يقوم للعرب ولا للمسلمين قائمة!
أوقدت الحرائق في ديار العرب والمسلمين، وبذرت بذرات التطرف الخبيثة، وغرس فيروس الكراهية؛ لتحقيق أطماع التفتيت والتشتيت؛ ولكن هذا الفيروس لا يمكن أن تغلق عليه الأبواب ولا توصد أمامه المنافذ ولا تحجب أمام تحليقه الفضاءات؛ فها هو بقدرة قادر يطير في الظاهر أو الخفاء ليحلق في سماوات العالم كله ويخترق الحجب واللجب ويضع بيضه في كل العواصم ويفقس بعد فترة من الزمن طالت أو قصرت ثم يشعل الحرائق في العواصم الكبرى من العالم كما أشعلتها تلك العواصم في المدن الصغرى!
لا حدود للخراب ولا حجب مانعة أمام فيروس التطرف!
لا جغرافيا متحصنة متمانعة ضد ألسنة اللهب حين تمتد!
لا مكان يمكن أن يكون مطمئنا آمنا وجزء من هذا الجسد يفتك به الداء!
ومن يفكر أنه بمنجاة من خسف التطرف وردود فعله على أي تطرف مسبق؛ فهو يعيش في الخيال!
العدل أساس الملك!
وما دام أن العواصم الكبرى تعتمد الكيل بمكيالين وتتطرف في كثير من مواقفها تجاه العالم العربي والإسلامي؛ فستواجه تطرفا قبيحا آخر مضادا!
إن أراد الكبار القابعون في مراكز صناعة القرار الأمن لعالمهم؛ فعليهم أن يعيدوا النظر بعقلانية وبدون فوقية إلى أمة وثقافة وشعوب تريد الحياة بحرية وكرامة.
إن الظلم لا يمكن أبدا أن يكون مسوغا لمظالم أخرى، وإن التطرف لا يبحث عن مبررات أو أعذار؛ لكن العقلاء لا يمكن أبدا أن يمنحوا الحمقى سببا يتذرعون به ولا قنبلة نووية يحرقون بها العالم!
لا مكان آمنا في هذا العالم بعد اليوم!
يمتد الحريق إلى الكوخ الذي أوقد أواره!