لا تخلو أي ساحة رياضية من المتعصبين الذين لا يرون طريقاً للنجاح سوى بتدمير الآخر بشتى الوسائل، ما قُبِلَ منها أو ما رُفِض. أولئك نجدهم يعيشون بيننا، يتابعون مثلنا، ويشجعون مثلنا، ولكن الاختلاف الجوهري بيننا وبينهم، أننا نتابع حباً، وهم يراقبون كرهاً. فإلى زمن قريب، كان هؤلاء يعتبرون الصوت النشاز، النغمة المرفوضة في لحن الرياضة. تلك الرياضة التي خلقها الفرسان، ورعاها المتنافسون، وأحبها المتابعون. كان هؤلاء لا يجدون لعفنهم مستوعباً سوى بعض الخاصة في مجالس مغلقة، وحتى خاصتهم كانوا يتحرجون من مشاركتهم تلك السوداوية.
بعد ذلك أتى (تويتر)، فاتحاً ذراعيه لأقصاهما ليضم الكل بلا استثناء، صالح وطالح، محب وكاره، سويّ ومختل. بدأ بث الكراهية يلقى قبولاً لدى نشء لم يعتد الطرح المعتدل، ولم يترب على تقديم المصلحة العامة على أنها أولوية قصوى، فبدأ التعصب يتسيد الموقف، ويلفظ من المنظومة كل خط أحمر ينشد الرقي.
في البداية، كان مقدِّمو البرامج الحوارية المرئية يرفضون الخلط بين ما يقدِّمه ضيوفهم على طاولتهم وما يذكرونه في حساباتهم الشخصية في تويتر، تحت مبدأ (أنا مسؤول عمَّا يطرح في برنامجي فقط). تلك الحجة البغيضة هي أولى الدعوات لترسيخ مبدأ (البذيء أولاً).
فمن يقبل أن يختار من يلوِّث الأسماع والأبصار بشتى أنواع القبح اللفظي والخلقي، ويقدِّمه كنموذجٍ لإعلامي رياضي هو أشد سوءاً من ضيفه. من يقدِّم إعلاناً مجانياً لشخصيات تسيء لكل ما يمس الرياضة من قريب أو بعيد، هو معول هدم كبير لبقايا فروسية نرتجيها من رياضة وطن.
ثم ماذا؟ هل التزم الجميع بهذا الحد من الإسفاف؟ بالطبع لا. فكل نفس حاقدة تسعى جاهدة للتوغل في الكراهية لأبعد حد، وتحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تتجاوز كل خط أحمر لتزيد من رقعة السوداوية قدر استطاعتها.
فأصبح ما كان سابقاً لا يقال سوى في المجالس، وتعداه لاحقاً إلى تويتر، يقال وبكل صراحة في المنابر التلفزيونية: استهزاء، شتم، اتهام، تشكيك، وأشياء أخرى يندى لها الجبين.
لم يسلم أي نادٍ من هذا العبث، بل أصبح المنتخب الوطني أسهل صيد توجه له سهام الكراهية من تلك الثلة التي بعد أن كانت دخيلة علينا، نراها متسيدة للمشهد.
بطء الإجراءات القضائية تجاه المسيئين، وتجاهل وزارة الإعلام لدورها في ضبط المنظومة الإعلامية هما بلا شك سببان رئيسان فيما يحدث، بعد أن تنازل الجميع عن الرقيب الأخلاقي الذاتي.
لم نعد نفهم ما يحدث! هل هو متعمد أم أن كل ما يحصل هو مجرد انفلات مفاجئ لم يتمكّن أحد من السيطرة عليه.
الصمت المستمر على هذه التجاوزات لن يزيدها إلا قبحاً. والتنصّل من المسؤولية في كل موقع لن تورث لنا سوى أجيال من القبح الرياضي الذي لن نتخلص منه بسهولة.
فهل من منصت؟ أتوقّع نعم. ولكن هل من متحرك؟ (أشك).
خاتمة...
ربّ يومٍ بكيت منه فلما
صرت في غيره بكيت عليهِ
(ابن بسام البغدادي)