كم عملية إرهابية نحتاج حتى نفهم خطر هذا الإرهاب المجنون الذي يتخذ الإسلام ومقدساته عنواناً عريضاً للضحك على الجماهير واستنزاف عاطفتهم الدينية وتضليل العالم؟، كم قاعدة وداعش نحتاج لنفهم مشاكلنا الحقيقة مع بنية الإرهاب الفكرية الخطرة والمعقدة في الوقت ذاته؟..
كم نحتاج فعلاً من مواجهات حتى ندرك خطورة التبرير والأعذار لكل هذا القتل القبيح؟..
فالصورة الآن لا تختلف من سدني إلى عرعر وباريس، الفرق فقط في الخسائر والأعذار، أمام التنديد والإجماع أمام كل عمل إرهابي يكون خارجاً عن القانون والأديان والإنسانية.
صحيح أن الأغبياء فقط هم من يعتقدون أن الإرهاب والعنف والقتل من قبل التنظيمات المتطرفة سيتوقف، لكن الأكثر غباء هم من يرفضون محاصرة الفكرة الإرهابية المتلبسة بالإسلام، لأنه الأكثر ضرراً والأسرع للارتداد عليهم!..
بعد كل هذا هل يحق لنا أن نسأل، هل شوهت صورة الإسلام مجدداً؟، من يشوهها؟
الجواب الثابت هو أن ذلك تم بالفعل، وبفعل متطرفين اختطفوا كل شيء تقريباً، ثم المبررين لهم وهم الأكثر سوءاً وخطورة.
ما جمعته القاعدة، ثم ما يسمى بداعش اليوم هي مجموعات من الإرهابيين الهائجين، والذين سيبحثون عن أي عنوان يلتقوا تحته لممارسة الإرهاب والقتل العبثي تحت أي راية!..
لم تعد القصة الخادعة تحت راية الجهاد، أو الإسلام مقبولة حتى في الغرب نفسه، الراية الحقيقة هي الإرهاب والتطرف، وممارسة الفعل الإرهابي المسلح خارج القانون، قانون الدول والأديان. إنه أقرب إلى المليشيات المسلحة، تلك القنابل الموقوتة الجاهزة للاشتعال عندما تجد البيئة المناسبة لذلك، وهذه القنابل مركزة في العصبيات الإثنية أو المذهبية أو المناطقية أو كلها مجتمعة في تعقيد صعب.
هذه الشحنات الثورية في لحظة الانفلات من قيد النظام المسيطر عليها تجتاح الجسم بكاملة مثل السرطان، وفي جسد المجتمع تعمل على إنهاكه وتفتته وتدمره، دون أن تنتظر أو تهتم بقصة أي نصر مزعوم..
هذه العصبيات غالباً ما تكون في فترة خمول قبل أن تتحول إلى عصابات، ودائماً ما تتلاشى في ظل قوة الدولة، ومع نظام سياسي متمكناً من السيطرة على العصبيات كلها، ووجود عقداً اجتماعياً ووطنياً موحداً، لكنها تنشط بسرعة في غياب ذلك، كما يحدث في دول مثل العراق وسوريا واليمن اليوم..
فمع سقوط أو ضعف النظام المسيطر انفرط أو تلاشى عقد المجتمع وانخرط الجميع في عصبيات خرجت من قاع التاريخ السحيق، وبدأت في العمل على نطاق الجغرافية الحديثة.
وفي حالة تجمع داعش اليوم، ومع تمكن هذه العصبيات أو العصابات من الحكم أو السيطرة على منطقة جغرافية، فإنها لا تتعامل مع المخالف لها من عصبيات أخرى منافسة إلا بقوة السلاح والإقصاء في كل الاتجاهات، تحت شريعة واحدة، شريعة السلاح..
داعش اليوم مليشيا عالمية كبيرة تسوق للفكرة عبر شبكات عنكبوتية، وتجذب إليها من كل بقاع العالم وقاراته الثوريين الجهلة ليشاركوها الإرهاب تحت قبة التطرف، وبتمويل بسيط وذاتي أحياناً للمتحمسين للفكرة الإرهابية الخطرة.
لتصبح القاعدة - داعش اليوم أول مليشيا مسلحة عابرة للقارات، وهي الأكبر في العالم.. وربما في التاريخ.. مليشيا تقود حرباً إرهابية ورعباً ضد العالم دون استثناء.
من هنا يمكن لنا أن نفهم التحذير الذي وجهه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز نهاية شهر أغسطس الماضي (قبل أربعة أشهر) من أن خطر الإرهاب سيمتد إلى أوروبا وأمريكا خلال أشهر إذا لم يتحرك العالم لمواجهته.