المتابع لواقع الطالب الجامعي قبل سنوات قليلة مضت واليوم سيقول بدون تردد أن الطالب الجامعي اليوم غير في إشارة منه لتبنيه لسلوكيات أكاديمية سلبية تجعل عند المقارنة الأفضلية تنصب في صالح الطالب الجامعي السابق لجيل اليوم الذي يتسم الكثير منه بصفات سلبية
جمّة يشعر معها من يقوم على تعليمهم أن المطلوب منه يكمن فقط في منحهم درجات تقودهم في نهاية المطاف للحصول على شهادة يسترزقون منها وبها يحصلون على قوتهم المعيشي وحسب، وذلك بالرغم من توافر ظروف، وعوامل، وإمكانيات، ومصادر تعلم يفترض أن تكون عوناً وسبباً لإيجاد جيل محب مقبل على الاستزادة من التحصيل العلمي. ويمكن حصر هذه السلوكيات في مناح ثلاث تدور في رحى فلك عدم إبداء قدركاف من الجدية والرغبة في التعلم، واللامبالاة، وإلقاء اللوم على أطراف أخرى في محاولة منهم للتنصل من تحمل مسؤولية الإخفاق والرسوب والتي يبدو أن للمجتمع وثقافته، وكذلك سياسة الجامعات دورا في جعله حقيقة ماثلة للعيان. ومن بين أبرز السلوكيات التربوية السلبية التي يتصف بها جيل الطلبة الجامعيين اليوم والتي جعلت العديد من المشتغلين في ميدان التعليم العالي يسمونهم بـجيل جامعي ذي سلوكيات غير جملة من الصفات والسلوكيات الأكاديمية المندرجة تحت مظلة عدم الجدية. فالأغلبية من الطلبة الجامعيين اليوم يبدون قدراً ضئيلاً من الرغبة والحماسة للعملية التعليمية، كما أن ليس لديهم استعداد لبذل أقصى قدرة وطاقة من أجل الاستفادة والتعلم، ومقابلة جهود أساتذتهم، وسعيهم الحثيث لتزويدهم بكل ما يجب أن يعرفه في مجال تخصصه بالتذمر، وتحميله ما لا طاقة به، ومحاولة عرقلة مسيرته الدراسية. وذلك ظاهر أيضاً في أن الكثير من طلبة الجامعات اليوم ليسو ذوي أذهان متيقظة، ومتفتحة قابلة للآراء المختلفة، والطرق التعليمية الجديدة. ونجدهم كذلك لا يبدون رغبة في المشاركة الفعّالة داخل المحاضرات من خلال طرح الأسئلة، والمساهمة الفعّالة في المناقشة والحوار بأسلوب علمي رصين.
وهذه السلوكيات السلبية الآنفة الذكر التي اندرجت تحت مسلك عدم إبداء قدر من الجدية والرغبة في التعلم قادت إلى مثلبة أخرى عنوانها اللامبالاة والتي تتم ترجمتها عادة بعدد من التصرفات والسلوكيات التربوية التي منها عدم الإلمام التام بمتطلبات المادة، وقصور في الاستعداد والتحضير الجيد لكل محاضرة، والاقتصار على زيارة الأستاذ في مكتبه أثناء فترة الامتحانات لمعرفة الفصول المحذوفة، والتعرف على طبيعة الامتحان الفصلي، أو النهائي، وعدم تسليم ما يقوم الأستاذ بتكليفهم به من بحوث دراسية صفية. وإلى جانب ذلك يقوم طالب الجامعة اليوم بالتغيب المتكرر عن حضور المحاضرات، ومحاولة اختلاق الأعذار الواهية لعدم الحضور، والاشتغال بأمور أخرى على حساب التحصيل العلمي، وكذلك تأخير مذاكرة المادة العلمية إلى قبيل فترة الامتحانات، وقصر طموحه على تأدية الحد الأدنى الذي يضمن له النجاح في المادة، والرضا، أو القناعة بالتخرج بمعدل متدن.
ومما يتحلى شريحة كبرى من جيل الطلبة الجامعيين الحاليين الاستعداد للانقضاض الشرس، وإلقاء اللوم على أساتذتهم ما إن تظهر النتيجة عكس مرادهم، ولذا تجدهم بدلاً من التوقف مع أنفسهم ومحاسبتها عن القصور الذي مارسوه طيلة الفصل الدراسي واستحقوا بسببه الرسوب والإخفاق، نجدهم يرفعون عقيرة الشكوى الصارخة يكيلون فيها أقذع الأوصاف وأشدها تجاه معلميهم. ومن هنا ليس من باب المبالغة القول: إن هذه النوعية من الطلبة الجامعيين اليوم يقضي فترة طويلة من يومه الجامعي غادياً رائحاً على أبواب الإداريين، وتحديداً العمداء ورؤساء الأقسام مشتكياً ومتذمراً من أساتذته، ومعترضاً ومحتجاً على نظام سنته كليته، بدلاً من محاولته على الأقل بذل النزر اليسير من جهده هذا من أجل تفهم إبعاده، والعمل على التكيف معه، وقبل ذلك السعي الحثيث لتقوية أواصر صلته بأساتذته، ومحاولة الاستفادة من علمهم، واستنطاق خبراتهم العريضة في مجال التخصص بشكل خاص، والحياة بشكل عام.
ويبدو أن هذه الممارسات والسلوكيات ما هي إلاّ انعكاس لثقافة مجتمع بدأ يقترب في كثير من اهتماماته نحو أمور أكثر هامشية، والانشغال بقضايا أقل أهمية ونفعاً الأمر الذي ألقى بظلاله على جيل اليوم، وبالتحديد طلبته الجامعيين الذين أصبح الكثير منهم يحملون ثقافة لا تقيم للعلم والمعرفة والاستزادة منه وزناً وشأناً، وإنما انصرفت اهتماماتها نحو مجالات شتى غير مفيدة استنفدت طاقاتهم وإمكانياتهم ولم يبق فيها إلاّ قدر ضئيل يُصرف للتحصيل العلمي، وبالتالي يمكن القول: إن طلاب الجامعة اليوم تخلوا عن صهوة فرس العلم وامتطوا ظهور السلاحف.
وربما أن للجامعات دورا في إيجاد جيل جامعي غير من خلال التحول النوعي في استراتجياتها في السنوات الأخيرة المتمثلة في تخريج أفواج كثيرة من الطلبة على حساب صب جُلّ اهتمامها وإمكانياتها من أجل تخريج نوعيات من الطلبة تمتاز بالكفاءة والقدرة وذلك من خلال الاهتمام بنوعية البرامج العلمية التي تقدمها لهم، وإيجاد أنشطة ثقافية نوعية، والعمل على إيجاد قنوات مناسبة لتنمية ورعاية وصقل مواهب الطالب الجامعي، والعمل على توظيف قدراتهم الإبداعية والفكرية. ويبدوكذلك أن الجو المجتمعي الحالي أذكى بدوره أيضاً هذه النزعة لدى الطالب الجامعي اليوم من خلال سماحه لبعض التصرفات الاجتماعية غير المنضبطة بالشيوع والانتشار مثل سيادة الروح الانتهازية والفهلوية، وثقافة التباهي بمعرفة من أين تؤكل الكتف، والجنوح لعدم مكافأة المجد والمخلص، فضلاً عن إنزاله المنزلة اللائقة به، والسماح بإشاعة الحرارة في خطوط الواسطة التي تأتي على حساب إسقاط حق الغير، وغيرها من السلوكيات العبثية التي تؤثر في نهاية المطاف في القيم والمبادئ العلمية والتربوية فتظهر مشوهة وممسوخة ومن ثم تصل إلى الطالب الجامعي على هذه الشاكلة باعثة بدورها برسائل مغلوطة يلتقطها، ويعمل بمقتضاها على أنها سلوك مقبول أقره أفراد المجتمع.
وفي الختام أتمنى أن تكون هناك التفاتة جادة من جميع الأطراف المعنية من أجل إعادة تأهيل الطلبة الجامعيين اليوم مجدداً من منطلق أنهم الاستثمار البشري الحقيقي، وبناة مستقبل الوطن، واللاعب الرئيس المؤثر في رص لبنات تنميته الشاملة الطموحة. وذلك يمكن أن يتأتى من خلال القيام ببعض الإجراءات التي تتطلب التركيز على الطالب الجامعي، والمتابعة المستمرة لمسيرته التعليمية الجامعية عن قرب من أجل الوقوف على ومعالجة مشكلاته، وإرشاده إلى الأساليب الناجعة في التعلم والتحصيل. وعملية إعادة التأهيل هذه تتطلب أيضاً الرفع من وعي الطالب الجامعي اليوم بمستحقات المرحلة الجامعية، والإبانة له على أنها من أهم وأخطر مراحل المرء العمرية التي إن حاول استثمار بقائه فيها في اكتساب معارف وعلوم ومهارات ساعدته في شق طريق مكلل بالنجاح تلو النجاح، وجعلت منه عنصراً مؤثراً ايجابياً في محيطه الصغير، وكذلك في مجتمعه الكبير. دعائي ورجائي أن نشهد قريباً تحولاً نوعياً في وضعية طالب الجامعة اليوم بشكل يجعله يسلك طرق غير تقوده إلى مسالك ودروب أكثر إيجابية، وتجعل منه عنصراً أكثر فعالية وتأثيرا في مسيرة وطنه.