للأمثال العربية والشعبية دلالاتها، ولها قيمتها الأدبية والاجتماعية، وهي تختصر الكثير من الكلام والبيان، للدلالة على وضع معين، أو الحكم على موقف وإيضاحه بصورة لا لبس فيها ولا غموض، فكلمات المثل المختصرة تمكن السامع من فهم المعنى المقصود واستيعابه، دون الحاجة إلى المزيد من الكلام والشرح، وهي خلاصة تجارب بشرية متواترة، أكدتها الممارسات والنتائج المترتبة عليها .
يطلق المثل على الأوضاع والأعمال المخالفة للفطرة، أو لما هو مألوف معتاد، ويطلق على الممارسات والمواقف التي تبدو خارج سياقها الطبيعي المتوافق عليه اجتماعيا أو ثقافيا، أو لتعارضها مع الفطرة البشرية المتواترة بين بني البشر، مثال ذلك تكليف المرأة بأعمال فوق طاقتها وأعمالها المعتادة بينما زوجها جالس في البيت لا شغل ولا مشغلة، يقول المثل واصفا هذه الحالة (العنز تسرح والتيس بالدار) مع الاعتذار التام للموصفين.
تتم صياغة هذه الأمثال بناء على الخبرة المتراكمة من الشواهد والدلائل التي تبدو خارج الأطر الثقافية أو الاجتماعية السائدة في مجتمع معين أو بلد له محددات من القيم والأعراف التي تحكم السلوك الجمعي لأفراده، وهذا مما أكسب هذه الأمثال مصداقيتها وقيمتها، وجعلها متقبلة لوصف كل ما هو خارج الأطر المجتمعية، حيث يعد ناشزا مخالفا مرفوضا.
ففي المجتمعات الإسلامية محددات وأطر لها أصول ومرجعيات شرعية وثقافية واجتماعية، تحكم السلوك العام للناس، إلا أن درجة الالتزام بها تختلف من بلد لآخر، لذا لا يجد الباحث أو المتابع عناء في تبين أوجه الاختلاف بين الدول في درجة الالتزام والتمسك والسير وفق نهج تلك الأطر والمحددات، فلكل بلد خصوصيته، وله قناعاته في القبول والرفض وخاصة في الأطر ذات المرجع الثقافي أو الاجتماعي، هذه يمكن تسويغ الاختلاف فيها، أما ألأطر ذات الأصول الشرعية فالمفترض ألا تفاوت فيها عدا ما أجمع عليه الفقهاء وأقروه وفق قواعد الاجتهاد المعتبرة.
فمن الثابت أن الأطر والمحددات ذات الأصول الشرعية ملزمة للمؤمنين بها، فهي لا تقبل التعديل أو الرفض، أما الأطر ذات الأصول الثقافية والاجتماعية فهي قابلة للتكيف والتطور، والأخذ والرد وفق مقتضياتها الزمانية والمكانية التي تحتم التكيف معها، أوتعديلها بما يتوافق مع الظروف المحيطة .
ثبت من الخبرة البشرية، ومن الشواهد المعاصرة، أن الدول التي خرجت على أطرها ذات الأصول الشرعية أنها تعيش حالة من الضنك والغربة، وأنها لم تستطع أن تتكيف مع الأوضاع الجديدة التي أحدثتها، وهذا ليس بمستغرب، لأن مصادمة الفطرة وتحديها لن يصمد أبدا مهما كانت خشونة القوة المساندة للخروج عن تلك الأطر، بل إن حال الدول الآن أسوأ مما كانت عليه من قبل، هذه سنة الله، فما ارتضاه الله لعباده حتما سيكون الأفضل والأنسب باعتباره متوافقا مع الدور والرسالة لكل من الرجل والمرأة، كل حسب قدراته وإمكاناته.
أن تخطئ جماعة أو مجتمع، فذاك أمر متوقع، لكن من غير المتوقع لا عقلا ولا منطقا الإصرار على الخطأ والتمادي فيه رغم مؤشرات فشله، أو أن تأتي جماعة أو مجتمع آخر ويتبنى الخطأ نفسه ويكرره، يقال: (من جرب المجرب فعقله مخرب)، وهذا مما يثير العجب والاستغراب، لأن في تجارب الأمم والمجتمعات الأخرى دروس وعبر يجب الاستفادة منها وتوظيفها في تجاوز الإخفاقات وعدم تكرارها.
فهل يعي الدرس أولئك الذين يصرون على مصادمة الفطرة، والخروج على الأطر العامة تحت عناوين ظاهرها المصلحة المجتمعية، وباطنها كشفت عنه تجارب الدول التي سبق واندفعت في مثل هذه التوجهات والمسارات وهي اليوم تجني ثمار الخيبة والفشل.