مع إعلان حكومة المملكة قبل أيام قليلة عن الموازنة المالية الجديدة للدولة في عام 2015م التي تضمنت عجزاً متوقعاً بنحو 145 مليار ريال، كان من الطبيعي أن تتجه الأنظار إلى السحب من احتياطي العملات الأجنبية وإصدار السندات الحكومية كخيارين إستراتيجيين لتغطية هذا العجز و لهذا السبب تضمنت المراسيم الملكية المتعلقة بإعلان الموازنة تفويضاً لمعالي وزير المالية يسمح له بالسحب من الاحتياطي وبإصدار السندات الحكومية، ولكن هل هناك خيارات أخرى لتغطية عجوزات الموازنة مستقبلاً؟
بالطبع هناك خيارات أخرى، فالخصخصة التي تتقدم في المملكة بسرعة أقل من سرعة السلحفاة تعتبر أحد أهم الخيارات الواجب تفعيلها مستقبلاً ولا أبالغ في القول إنها الآن هي الخيار الأمثل لتخفيض الإنفاق العام وبالتالي تخفيض عجوزات الموازنة، أيضاً فرض الرسوم على الأراضي البيضاء تمثل فرصة كبيرة ومهمة لدعم الإيرادات الحكومية وتنويع مصادرها، وأيضاً إصلاح نظام جباية الزكاة تمثل هي الأخرى فرصة كبيرة ومهمة لدعم الإيرادات الحكومية وتنويع مصادرها، وأخيراً ترشيد الإنفاق و تحديداً الإنفاق الاستثماري (الباب الرابع في الموازنة) الذي كان يشكل نحو 30 بالمائة من حجم الإنفاق العام في الأعوام الأخيرة.
في نفس السياق، هنا يجب أن نضع في الاعتبار أن استخدام خيار السحب من الاحتياطي ليس بهذه السهولة (كما يعتقد البعض) باعتبار أنها في الغالب استثمارات في أوراق مالية صعبة التسييل وبذلك نكون أمام خيارين صعبين: إما الانتظار لوقت طويل (قد يصل لأكثر من 10 أعوام) حتى يحين موعد التسييل أو أن يتم تسييلها بسرعة ولكن دون قيمتها السوقية العادلة!! لذا فخيار السحب من الاحتياطي سيتركز في المدى المتوسط على سحب الودائع لدى البنوك فقط إلا أن هذا لا يمكن الاعتماد عليها طويلاً لأن نسبة الودائع لدى البنوك لا تشكل إلا نسبة متواضعة لا تتعدى 17 بالمائة فقط من الاحتياطايات.
أما خيار إصدار السندات الحكومية فهو في وضع أفضل نسبياً من خيار السحب من الاحتياطي بحكم إمكانية تطبيقه بشكل سريع وانخفاض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى ما دون 3 بالمائة وبالتالي يفتح المجال لتغطية عجوزات الموازنة المستقبلية بقيمة كبيرة لا تقل عن 1,5 مليار ريال إلى أن تصل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي لنسبة قريبة من 50 بالمائة (بافتراض ثبات النمو)، إلا أن الأهم أنها ستوفر أداة دخل ثابت جديدة للاستثمار داخل المملكة وستؤسس لبناء «منحنى العائد للريال السعودي» الذي يمثل الاتجاهات المستقبلية لأسعار الفائدة والتي تنبع أهميتها في قياس المخاطرة ضمن معادلات تقييم الأوراق المالية.