تحدثنا في مقال سابق عن صعوبة الاستمرار في اعتمادنا بشكل رئيس على عوائد النفط وأن الدروس التي مرت بنا عن عدم استقرار أسعاره ومفاجآت تقلباتها كافية للتعلم والإفادة منها. وأن الأمر يتطلب تفكيراً عاجلاً في تنويع مصادر الدخل والاستثمار في مجالات أخرى تساعد على خلق فرص عمل وتحقيق التنمية المستدامة. وبشكل رئيس التركيز على الصناعة بأبعادها المختلفة والعمل على وضع مقولة الملك عبدالله حفظه الله «الصناعة خيار استراتيجي» موضع التنفيذ.
لقد تضمنت الاستراتيجية الوطنية للصناعة هدفاً هاماً يجدر بنا الوقوف عنده وهو مساهمة الناتج الصناعي في الاقتصاد الوطني بنسبة 20 % بحلول عام 2020م، وهو وإن كان هدفاً صعب المنال فإن تحقيقه مطلباً استراتيجياً يحسن أن يأخذ نصيبه من الاهتمام والتركيز.
نحن أمام تحد كبير جدا ليس لإيجاد فرص عمل للشباب الحالي والباحثين عن عمل ولكن للداخلين الجدد من الشباب المتوقع دخولهم لسوق العمل في الأمد القريب. بما فيهم خريجي الجامعات المحلية ومبتعثي برنامج الملك عبدالله وخريجي التدريب المهني والتخصصات المهنية الأخرى.
اعتقد أنه حان الوقت للتركيز على القطاعات التي تساعد على خلق فرص عمل جديدة والحد من الاعتماد على الاقتصاد الريعي، فضلا عن ضرورة ترشيد المصاريف الاستهلاكية بقدر الإمكان. الحلول التي يتم طرحها من بعض الجهات التنفيذية المعنية لتوظيف الشباب حلول جيدة ولكنها ليست كافية لحل مشكلة التوظيف التي تعتبر الهم الرئيس للمواطنين وللقيادة. لا يمكن أن تكون سعودة أسواق الخضار أو محلات الوجبات السريعة أو فرض نسب على بعض القطاعات لوحدها حلاً كافياً للقضاء على البطالة، خاصة في ظل حجم الداخلين الجدد لسوق العمل في مقابل محدودية فرص العمل الجديدة التي ينتجها الاقتصاد الوطني سنوياً.
الحل في نظري يتضمن -بالإضافة إلى برامج التوطين- التركيز على الاقتصاد الإنتاجي خلال السنوات القادمة والعمل على إيجاد قطاعات اقتصادية إنتاجية جديدة من شأنها خلق فرص عمل، خاصة الصناعات التي تعتمد على المدخلات المحلية وتلبي الطلب المحلي.
وكمثال على ذلك فإن متطلبات القطاع العسكري فقط (وزارة الدفاع والحرس الوطني والجهات العسكرية الأخرى) لبعض قطع غيار المعدات العسكرية من الصناعات المحلية بحد ذاتها كافية لخلق قطاع صناعي عريض يكفل استيعاب معظم إن لم يكن كافة الداخلين الجدد لسوق العمل. فإذا كنا قد استثمرنا في التعليم وفي التدريب والتأهيل من جانب ولدينا ميز نسبية في انخفاض تكلفة الطاقة وغيرها من المدخلات بالإضافة لوجود سوق محلية وإقليمية عريضة تكفي لاستيعاب المنتجات فإن المطلوب فقط هو تعزيز قطاع الصناعة وتوسيع القاعدة الصناعية والدفع بهذا الاتجاه.
وبالإضافة إلى الجهود المتميزة التي تقوم بها وزارة التجارة والصناعة في هذا المسار فإنني أعتقد أنه حان الوقت -خاصة ونحن نعاني من تدن في العوائد النفطية- للتركيز على الصناعة بكافة أبعادها ودعم المنشآت المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر وإعطائها ما تستحقه من الاهتمام وذلك لخلق فرص عمل وتلبية الاحتياج المحلي ودعم الصادرات الوطنية.
في مقال لاحق سنتحدث إن شاء الله عن بعض المبادرات والآليات التي تدفع بهذا الاتجاة وتساعد على تحقيق الأهداف المشار إليها.