استعادت تونس وضعها الطبيعي، الوسطي، الحضاري البعيد عن التكتلات والتشنجات السياسية.
تونس التي كانت أول من بدأت اضطرابات ما يسمى بالربيع العربي، رفضت أن تدخل دائرة الفوضى العربية التي أرادت إغراق الوطن العربي من خلال إطلاق الفوضى الخلاقة، تلك كانت بدعة كونزاليز، وضعت لها المعاهد واستقدم لها العاطلون من الشباب العربي حيث حشيت عقولهم بنظريات التغيير والتغريب وعاد المغرر بهم وهم يعتقدون أنهم قادرون على تغيير مصير شعوبهم، فأحرقوا وقتلوا وسالت الدماء في شوارع بعض المدن العربية ولا تزال تسيل، بعض الدول العربية انجرف في مسار الفوضى التي لم تكن خلاقة أبداً، بل أغرقت الجميع في أتونها.
تونس أريد لها أن تكون أولى محطات التغيير، وقد عجلت الأوضاع المعيشية وبطالة الشباب في اندلاع شرارة التغيير، وما كانت حادثة إحراق العزيزي لنفسه سوى البداية التي استوعبها أهل تونس وتعاملوا معها التعامل الذي أفرز أقل الخسائر، لماذا؟
أسباب عديدة جعلت من التونسيين متميزين في تعاملهم مع (فوضى التغيير) منها:
1- تعامل الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي لم يعاند ولم يقاوم رغبة الشعب التونسي في التغيير.
2- تعامل الجيش التونسي الذي لم يقف ضد رغبة الشعب ولم يكن سلاحاً بيد الرئيس والنظام، فسلك جانب الحياد الإيجابي، والإيجابي يعني عدم السماح بالوقوف ضد رغبة الشعب والحفاظ على أمن البلاد.
3- ثقافة وسمو الشعب التونسي وتعامله الحضاري فلم تستطع الجماعات المؤدلجة التي حاولت توظيف الدين لخدمة أهدافها السياسية وجرف الشعب التونسي عن سلوكه الحضاري، ومرد ذلك إلى ارتفاع نسبة الثقافة والعلم والتعليم عند التونسيين الذين هم بطبيعتهم شعب متحضر هادئ وليس عدواني.
4- استفادة حركة النهضة الإسلامية من أخطاء نظيراتها في الدول الأخرى كإخوان مصر وجماعات الإسلام السياسي في ليبيا والجزائر.
كل هذا جعل تونس تجتاز مرحلة (الفوضى) التي أريد إغراق الوطن العربي بها، وتعود إلى طبيعتها كدولة ديمقراطية (الأفضل نسبياً) من نظيراتها التي هبت عليها رياح التغيير.
فقد سلم التونسيون أمرهم إلى (نداء تونس) الذي تسلم رئاسة الدولة بشخص الباجي قائد السبسي السياسي التونسي المخضرم من رفاق الحبيب بورقيبة باني تونس الحديثة وقبلها رأس برلمان تونس واحد من نفس الحزب، وينتظر أن يكون رئيس الحكومة في نفس الحزب وهو ما يشكل مسؤولية كبيرة على هذا الحزب الذي اختاره التونسيون لينهي المشاكل التي صنعتها فوضى التغيير مع التشبث بالحرية التي تذوقها التونسيون ولا يريدون التفريط بها.