خطوة رائدة تُقدم عليها الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، وهي إنشاء مرصد سعودي لرصد وتوثيق الحراك الأمني والقانوني والوقائي والعلاجي والتأهيلي على جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية للمؤسسات الرسمية والأهلية العاملة في مجال مكافحة المخدرات بالمملكة بشكل تزامني. هذه الخطوة برأيي ستغيّر كثيرًا في آلية مكافحة المخدرات بداية من توحيد الجهود، مرورًا برصد وتوثيق أي حالة قد تمر على أي جهة حكومية قد تغيب عن جهة أخرى.
هذا المرصد يتعامل مع الحالات وفقًا لثورة التكنولوجيا والاتصالات، لذا أتمنى أن يكون من مهام عمله رصد الحسابات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات والمدونات للترويج عن المخدرات بأي صورة كانت، سواء عبر الاتجار بها أو عبر الترويج لجمالياتها الوهمية، ونشر هذه الأفكار بين الشباب وهم الفئة المستهدفة، كذلك المسلسلات والأفلام والأغاني التي تروّج للمخدرات ومحاسبة من يبثها تحت ميزان العدل.
أيضًا مما قرأت عن المرصد أنه سيوفر قاعدة بيانات ودليلاً للمنشآت العلاجية للإدمان، يشمل معلومات عن المنشأة وموقعها ووسائل الاتصال بها وكيفية الوصول إليها والخدمات المتوفرة فيها وشروط القبول أو التنويم فيها وعدد الأسرَّة الموجودة بها. ولأنني واثقة من جديّة هذا العمل أقترح على الإدارة العامة لمكافحة المخدرات أن تقوم على إعداد برنامج بالتعاون مع وزارة الصحة ورجال الأعمال، يحفز الأطباء المتخصصين في السموم والإدمان وعلم النفس على إنشاء مصحات أهلية - مدعومة- لعلاج الإدمان ومصحات متخصصة في التأهيل ما بعد التشافي من الإدمان، إذا ما نظرنا إلى تكرار حالات الانتكاس بعد العلاج من الإدمان، فليس بالمنطق أن يتحمّل مستشفى الأمل الحكومي وحده كل هذه المهام، في ظل زيادة وانتشار إدمان المخدرات في مجتمعنا، وكم من مدمن لا يجد سرير فليس أمامه سوى أن يستمر في طريق المخدرات أو أن يضطر أهله لإيداعه في مصحة خارج السعودية، وكم سمعنا عن هذه المصحات التي هدفها الأول والأخير المال، واستدرار حاجة وعاطفة الأهالي لاستنزاف أموالهم!
وبما أن المرصد يهتم بعملية التثقيف، فأود الإشارة إلى أسرة المدمن، فهي تعيش في وضع نفسي غير سوي، وقد تتعامل معه بطريقة - دون علم- تجعله يتمادى في التعاطي، أو في تفاقم المشاكل الأسرية التي لا تنتهي داخل أسرته، وأتذكّر أنني في عدد من رحلاتي إلى دول أوروبية وجدت مراكز مخصصة لأسرة المدمن تُعنى بالتثقيف في كيفية التعامل معه، ومحاصرته بطريقة صحيحة، وخصوصًا أن هذه الدول - أغلبها- لا توافق على علاج المدمن بالإجبار، بل بالإقناع. هذه المراكز معظمها مجانية أو تتقاضى مبالغ رمزية نظير الخدمات والإرشادات التي تقدّمها للأسر، وهي مؤسسات مجتمع مدني، نحتاج إليها كثيرًا في مجتمعنا، فليس بالضرورة أن يقع كل العبء على كاهل الإدارة العامة لمكافحة المخدرات وحدها، ولا مستشفى الأمل وحده، وكلاهما لم يقصر، إنما هم ومجتمعنا بحاجة إلى تكاثف الجهود، والوعي بحجم هذه المشكلة التي باتت تستهدف مجتمعنا بشكل مكثف وواضح، ولحلها نحتاج إلى جهود الجميع بلا استثناء.