عجيب ما يفعله «الذهب الأسود» لشعوب العالم! دول تُهاجم عملاتها وتفقد قيمتها ودول يصيب العجز ميزانياتها، ومستهلكون يفرحون بانخفاض أسعار الوقود، ومسافرون يحزمون حقائبهم للركوب على متن الطائرات بعد الانهيار التاريخي لأسعار النفط وأسعار التذاكر وقنوات اقتصادية يصعد نجمها. ولكن ماذا عن دول الخليج؟ نحن ابتلينا بأسواق أسهمنا. وأصبحنا ببساطة متناهية نتتبع قاع أسعار النفط! بمعنى لا تستغرب أن تستقر أسواقنا بعد أن تستقر أسعار النفط. هنا نأتي للسؤال الأكبر. هل وصلت أسعار النفط لقاعها؟ الإجابة هي لا أحد يستطيع تحديد ذلك. ومعظم خبراء الطاقة شبهوا ما يحصل بسقوط السكين التي يحاول الجميع التقاطها.
القيادة الحكيمة
أتذكر جيدا اجتماع أوبك التاريخي في نوفمبر الماضي وأنا أشاهد قناة بلومبرج الاقتصادية، كانوا يتداولون فيما بينهم فيما إذا كانت منظمة أوبك فعالة أم لا (ولاسيما في ظل المتغيرات الحالية من الدول التي خارج المنظمة والمنتجة للنفط، فضلا عن منتجي النفط الصخري)، فالصوت الخليجي الموحد حول النفط صار يسمع صداه حول العالم، لدرجة أن أسواق بكبرها ترتفع أو تنخفض بعد أن يتناقل الإعلام الغربي تصريحات وزراء النفط الخليجيين.
أتذكر جدا مذيعة بلومبرج وهي تسأل ضيوفها عن معنى الجملة الشهيرة التي قالها وزير النفط السعودي عقب نهاية اجتماع أوبك بأن أسعار النفط ستستقر من نفسها. والآن دارت الأيام وأصبح المحللون الذين يظهرون على نفس القناة الأمريكية يعيدون تكرار عبارة وزيرنا المحنك بل إن دولاً كروسيا وإيران أصبحوا مؤيدين للقرار السعودي بعدم تخفيض الإنتاج (بعدما كانوا معارضين لذلك).
فائض النفط الصخري
يتوقع لإنتاج النفط الصخري القادم من أمريكا أن يصل مع السنة المقبلة إلى 6 ملايين برميل يوميا مقارنة مع 4 ملايين لسنة 2014. هذه الزيادة تعني أنه سيكون هناك فائض في السوق (يصل الفائض حاليا إلى 1-2 مليون برميل). والفائض يؤدي إلى انخفاض الأسعار. وعليه فإن خفض إنتاج أوبك لن يكون قرارا حكيما. لأنه وببساطة سيقوم موردون آخرون (خارج أوبك) بأخذ العملاء الذين خسرتهم أوبك. وعليه نخسر السعر وحصة السوق. تكلفة إنتاج النفط الصخري تتفاوت بين الشركات الكبرى والصغرى. الذي نفهمه أنهم يخسرون في حالة انخفاض الأسعار ما بين 60 إلى 45 دولارا للبرميل (سعر الخام الأمريكي يحوم حول الخمسينات)، بحيث يُفترض أن يخرج منتجو النفط الصخري من سوق النفط بعد أن يقل حجم إنتاجهم. وهذا يعني أنه سيكون هناك قلة في المعروض وسينعكس ذلك على ارتفاع أسعار النفط. ويكفي أن نعرف أن شركات النفط الصخري الصغيرة قد قطعت عنها البنوك سوق الائتمان (بمعنى أنها لن تستطيع أخذ قروض جديدة بسبب ارتفاع مخاطر القطاع النفطي). وفضلا عن ذلك فقد أصدرت هذه الشركات سندات ذات عوائد مرتفعة (سندات خردة). بمعنى أن أسعار النفط يجب أن تبقى مرتفعة لكي تسدد أرباح حملة السندات أو أنها ستتعثر! والتعثر سيقود للإفلاس! والإفلاس سيقود لخروجهم من السوق وتقاسم الدائنين لأصولهم. وعليه قد يصبح النفط الصخري «ضحية لنجاحه»! ولكن منتجي النفط الصخري لم يستسلموا بعد. وبحسب ما تناقلوه فيما بينهم فإنهم ينوون تسخير التكنولوجيا المتقدمة لتخفيض تكلفة الإنتاج. مما يعني أن المواجهة قد تطول. إنها مواجهة «تكسير العظام» والبقاء سيكون للأقوى كما ينص عليه قانون أسواق الذهب الأسود.