لم يهدأ للملك عبدالله بن عبد العزيز بال، أو يرتاح له ضمير، أمام تأزم العلاقات المصرية القطرية، ولم تغمض له عين وهو يري الشحن الإعلامي من الجانبين في إذكاء الخلافات غير المبررة بينهما، وظل هاجس هذا الرجل العظيم - كما عهدناه - يواصل الجهد والعمل لإنهاء أسوأ فترة علاقات مرت بها العلاقة بين مصر وقطر.
* * *
لم يكن الأمر سهلاً، بعد أن وصلت هذه العلاقات إلى ما وصلت إليه من قطيعة وتجاهل منهما لكل المبادرات التي حاولت تقريب وجهات النظر والخروج من هذا النفق المظلم، وخصوصاً أن دولاً وقوى خارجية كانت تغذي هذه الخلافات، وتعمل على تجذيرها، بما لا يستطيع كائناً من كان أن يعيدها إلى ما كانت عليه.
* * *
وكان لعبدالله بن عبدالعزيز رأي آخر، فقد آذاه أن تصل العلاقة بين الشقيقتين إلى هذا السقف الذي لا يستفيد فيه إلا أعداء مصر وقطر والعرب جميعاً، فعمل بجهد غير مسبوق لإيقاف هذا التدهور المتصاعد في علاقاتهما، وصولاً إلى إيجاد صيغة مقبولة للتصالح فيما بينهما، وطي صفحة الماضي بكل سوءاتها، وبناء أوثق العلاقات على أسس متينة لا تسمح بتكرار هذه التجربة المريرة في العلاقات بين الأشقاء.
* * *
ولم يكن أحد غير الملك عبدالله قادراً على إنهاء هذه الخلافات بين الشقيقتين على النحو الذي تم الإعلان عنه مساء أمس الأول، بعد أن تفاقمت الخلافات إلى الحد الذي فقد كل منهما قدرته في السيطرة على منافذ تأجيج هذه الخلافات، وعلى الإمساك بمفاتيح الحل، مع إدراكهما أن هذا التوجه في تصعيد الخلافات لا يخدم الدولتين، وربما امتد ضرره إلى دول أخرى في المنطقة، وبالتالي تمكين أعداء الأمة من استثماره لصالحهم.
* * *
لقد كان يوم أمس الأول يوماً تاريخياً مشهوداً، يحسب للملك عبدالله بن عبدالعزيز، ويثمّن له عالياً، فقد حقق لأمته آمالها وتطلعاتها نحو غدٍ أفضل للعلاقات المصرية - القطرية وللشعبين فيهما، وامتداداً إلى باقي دولنا العربية وشعوبها، دون إذلال أو هزيمة لأي من الدولتين الشقيقتين، فقد عاد الوضع إلى ما كان عليه برضاهما وقناعتهما، استجابةً وتكريماً وتقديراً منهما لمبادرة خادم الحرمين الشريفين.
* * *
وهكذا هو عبدالله بن عبدالعزيز، رجل المواقف الجسورة والشجاعة، الرجل الذي أكَّد مبكراً تصميمه على إنهاء هذه الأزمة بين مصر وقطر فنجح أيما نجاح، وذلك بفضل حكمته وإرادته وتصميمه ومكانته عربياً وإسلامياً، وهو بهذا الموقف الحكيم يُضيف إلى إنجازاته - وما أكثرها - إنجازاً لن تنساه أمته، ولن يغفله التاريخ.