في مجتمع كالمجتمع السعودي يتحدث أفراده دون توقف عن مثالياتهم، ويكثرون القول عن تميزهم، وكلما كانت هناك مناسبة أظهروا شيئاً من اعتدادهم بأنفسهم، حتى بلغ القول بأنه شعب له خصوصيته حين مقارنته بغيره من المجتمعات الأخرى.
***
في مجتمع هكذا يقيِّم أفراده أنفسهم، وكأنهم في مواصفاتهم وصفاتهم غير الناس الآخرين، لا بد أن يصاحب ذلك سلوك وتصرفات وتعاملات تظهر للآخرين هذا الجانب المضيء في شخصياتهم، ومن ثم فرض احترامهم على غيرهم.
***
هذا يستدعي منا أن نفتش عن هذا الجانب المضيء، وأن نبحث عن الصورة الجميلة التي تظهر هذا التفرد غير الموجود عند المجتمعات الأخرى، وأن نكرسها في أذهان النشء من أبنائنا وبناتنا، نعلمهم إياها، ونحثهم على الالتزام بها، ونشدد عليهم بضرورة التعرف على مضامينها، وبالتالي ممارستها، واعتبارها سلوكاً حاضراً لا ينبغي أن يغيب.
***
تداعت هذه الأفكار في ذهني أمام حالات أخرى تتكرر، ومواقف لا تتوقف، وتصرفات تكاد لا تغيب، وكلها في تناقض غريب مع كل ما أشرنا إليه من سلوك طيب نتحدث عنه، وندعي أننا نمارسه ونلتزم به، فيما أن صوراً أخرى لحالات مشوهة ومسيئة لا تكاد تختفي عن نظر العين وسماع الأذن، في ظل عدم وجود توجه نحو حظرها ومنعها من العرض في وسائل الإعلام.
***
هل نحن فعلاً أمام هذه الظاهرة في سباق نحو ما يكرس بعض السلبيات في تصرفاتنا وإنجازاتنا، بل ونحو ما يسيء لكل تاريخ مجيد ينسب لنا، وهل الشعور بحجم المسؤولية والدور المطلوب منا في التعامل مع مثل هذه الحالات لم تعرفنا به مدارسنا وجامعاتنا، ومثلها البيوت والمساجد، وبذات القدر الذي يجب أن يكون.
***
لهذا جاءت المناكفات بين المواطنين بحسب المذهب الذي تنتمي إليه كل فئة، وكذلك بين القبائل، وعلى المستوى الرياضي، وتعدى ذلك إلى التحزب في تجمعات إرهابية وبلباس ثوب الدين، ومن ثم ظلم بعضنا لبعض، وإظهار الكراهية لكل من نختلف معه بالانتماء المذهبي أو الثقافي أو الرياضي أو القبلي أو غيرها، وبهذا نسيء لأنفسنا كما نسيء للوطن.
***
لقد آن الأوان لأن نستحضر حب الوطن، وضرورة التعايش بين المواطنين، واحترام الرأي والرأي الآخر، والابتعاد عن كل ما يثير الضغائن، ويعمم الفوضى، أو يعبث بمقدرات الوطن وأمنه، فالوطن لنا جميعاً، ومن مصلحة جميع المواطنين التعايش بعيداً عن الكراهية بين المواطنين، والابتعاد عن ممارسة ما يخل بأمن الوطن.
***
ربما احتاج هذا إلى قوانين صارمة، تكون مرجعاً للسلطة في تعاملها مع أي حالة تدخل ضمن تصنيف وتعريف الإساءة للوطن، حتى نحد من إيذاء بعضنا لبعض، ومن العقوق بحق الوطن، وصولاً إلى إرساء مفاهيم دائمة ومستقرة للتعايش الصحيح بين المواطنين، اعتماداً على الشراكة والحب الذي يقوم على قاعدة أحب لأخي ما أحب لنفسي، وبهذا نحول دون قيام الانتهازيين والمغامرين بالإضرار بالوطن والمواطنين.
***
وهذا يعني اجتثاث كل ممارسة - وتحديداً بوسائل الإعلام - تقود إلى تفشي الكراهية في مجتمعنا، ومنع تمريرها، ومحاسبة كل من يتبناها، ووضعها دائماً أمام عين الرقيب، يقابلها تشجيع الممارسات النبيلة، والدفع بأي سلوك يكون نافعاً ومفيداً في تحجيم أسلوب الكراهية، والبناء عليه في تأصيل القيم بين المواطنين رجالاً ونساءً في كل المجالات، حتى وإن استدعى ذلك فرزاً لغير الأسوياء من المواطنين - وإن كان عددهم محدوداً - للتعامل معهم بما يحفظ للوطن هيبته ومصلحته وللمواطنين حقهم في العيش بوطن هادئ وآمن ومستقر.