طالعنا في صحيفة الجزيرة مؤخرا عن توقيع اللجنة السعودية لإغاثة الشعب الفلسطيني في إطار رعاية ودعم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - للشعب الفلسطيني الشقيق اتفاقية تعاون مشترك مع برنامج الأغذية العالمي لتقديم مساعدات غذائية لإخوتنا بالضفة الغربية تشمل 122.000 مستفيد ممن يعانون انعدام الغذاء الضروري لحياتهم.. ولقد كان لصدور وعد «بلفور» المشؤوم في العام 1917م وفرض الانتداب البريطاني على فلسطين أثره الكبير في زيادة موجة الهجرة اليهودية المنظمة إلى فلسطين التي بدأت في العام 1882م تقريباً، فقد نص ذلك الوعد على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين كما أن حكومة الانتداب البريطانية تعهدت تسهيل الاستيطان اليهودي.
وبعد الحرب العالمية الثانية استغلت الصهيونية العالمية قواها الضاغطة في الولايات المتحدة للحصول على تأييد مخططي السياسة وأصحاب النفوذ ونجحت في عقد «مؤتمر بليتمور» العام 1942م, الذي أفصح عن حقيقة الأطماع الصهيونية الهادفة إلى فتح باب الهجرة إلى فلسطين دون قيد وتأكيد حق الصهيونية المزعوم في تأسيس «دولة» لتصبح فيما بعد عضواً في الأمم المتحدة وتحتل أكثر من 90% من مساحة فلسطين. وتبع ذلك النداء الذي وجهه الرئيس الأميركي ترومان إلى رئيس الحكومة البريطانية آنذاك «آتلي» يطالب فيه بالسماح الفوري لمئة ألف يهودي من ضحايا النازية - كما أسماهم - بالدخول إلى فلسطين.
وهكذا توالت الهجرات الصهيونية الاستيطانية إلى فلسطين حتى العام 1947م، عندما قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة بدون وجه حق تقسيم فلسطين إلى دولة فلسطينية وأخرى يهودية معترفة للغازي والمغتصب الصهيوني بجزء من الأراضي التي احتلها من أهلها الشرعيين.
وثار العرب والفلسطينيون ضد هذا القرار الجائر وكان لتدخلات وتواطؤ بعض القوى العالمية آنذاك الدور الأكبر في إفشال هذه الجهود على المستويين العسكري والدبلوماسي، ما مكّن الصهاينة من ارتكاب مجازر عدة ضد أبناء فلسطين وقاموا بتهجيرهم والاستيلاء على مدنهم وقراهم واغتصاب أملاكهم وأراضيهم ثم جاءت النكبة الكبرى بإعلان الصهاينة دولتهم في العام 1948م.
وقد وقفت المملكة إلى جانب القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها تدعمها وتناصرها وتقدم جميع أنواع العون والمساعدة للشعب الفلسطيني لدعم صموده واتخذت مواقف ثابتة دفاعاً عن حقوقه المشروعة وتحقيق تطلعاته وآماله.
وأعطت المملكة الفلسطينية الأولوية في العمل السياسي في المحافل العربية والإسلامية والدولية وسخرت إمكاناتها وعلاقاتها في خدمة القضية ومناصرتها .
ويمتد اهتمام المملكة بالقضية الفلسطينية إلى عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الذي رعى قضية فلسطين وشعبها انطلاقا من المسؤوليات العربية والإسلامية والدولية التي اضطلعت بها المملكة وأولاها جل رعايته واهتمامه فطرحها في المحافل الدولية وعلى الدول المؤثرة في أحداث المنطقة في ذلك الحين دفاعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني وعدم التفريط فيها. وانطلقت تلك المواقف الثابتة للملك عبدالعزيز من مبادئ إسلامية ومسؤولية تاريخية وعمل وطني يؤمن به - رحمه الله- وتفرضه المسؤولية العربية والإسلامية.
وتدل مراحل تبادل المراسلات والاتصالات بين الملك عبدالعزيز ورؤساء ومبعوثي الدول المؤثرة في ذلك الحين تدل في مجملها على القوة الشخصية للملك عبدالعزيز وسلامة ورجاحة منطقه وحججه القانونية ودفاعه الصلب عن القضية الفلسطينية وبعد النظر في معارضته للمواقف الداعمة لفكرة الصهيونية في فلسطين لما سوف ينتج عنها من آثار سلبية على المنطقة.
وتعبر سياسة المملكة العربية السعودية، إزاء القضية الفلسطينية، عن رأي والتزام المجتمع السعودي العربي المسلم، الذي يعتبر القضية الفلسطينية قضيته الأولى ويضعها أساساً لاهتماماته، كما أنه يضع دعمها في مقدمة أولوياته. وقد قامت المملكة تجاه القضية الفلسطينية بكل ما يمليه عليها إيمانها ودورها العربي والإسلامي والدولي. فلم تحظ قضية عربية باهتمام المملكة مثلما حظيت قضية فلسطين.
إن تأييد المملكة ودعمها للقضية الفلسطينية كان ولا يزال تأييداً مطلقاً، كما أن مساعيها من أجل مناصرة الحق العربي في فلسطين لم تتوقف. ولم تتردد المملكة في تبني وتأييد أي قرار مؤيد للشعب الفلسطيني، ولم تتهاون في معارضة أي قرار يمسّ بالحقوق العربية والإسلامية، ولم تترك أي مناسبة لتأكيد موقفها هذا بوضوح لا لبس فيه، ولم تخل أي كلمة أو موقف للمملكة في المحافل الدولية عن الإشارة إلى ضرورة تأييد ودعم الفلسطينيين والرفض للاحتلال الاسرائيلي والمطالبة بإنهائه، ومطالبة المجتمع الدولي بعدم التعامل مع القضية الفلسطينية بمعايير مزدوجة والتأكيد على ضرورة الالتزام بمواثيق الأمم المتحدة والشرعية الدولية ومن ثم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
ولاتزال القضية الفلسطينية من أهم القضايا المحورية في السياسة الخارجية السعودية، وتعتبر المملكة أن دعم القضية الفلسطينية وإيجاد الحلول العادلة لها وفق قرارات الشرعية الدولية وإنشاء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، من ثوابت السياسية الخارجية.
كما قامت المملكة على الدوام بتسديد كامل حصتها المادية في دعم السلطة الفلسطينية، وهذا ما هو إلا تأكيد على سلسلة الثوابت، وهي دعم الشعب الفلسطيني وقضيته، ودعم الشرعية الفلسطينية في مسيرتها، ودعم مسار الاستقرار والمؤسسات في فلسطين.
إن المملكة لم تدخر جهدا في دعم القضية الفلسطينية في جميع المحافل الدولية، وهى مواقف ثابتة ومعروفة للجميع، كما أنها أولت فلسطين اهتماماً خاصاً بوصفها قضية العرب والمسلمين الأولى، ولم تتخاذل أو تتقاعس يوماً عن نصرتها، بل نذرت نفسها لخدمتها ولا زالت المملكة تواصل جهودها في المحافل الدولية لتقديم الدعم للشعب الفلسطيني وإعادة حقوقه المشروعة.
سمير أسعد - فلسطيني مقيم بالمملكة