قرأت قرار توقف شركة موبايلي عن نشر إعلاناتها في صحيفة الجزيرة يوم السبت الماضي، إثر تغطية الصحيفة أخباراً تتعلق بتراجع القيمة السوقية لسهمها، نتيجة انخفاض سعر السهم بما يقارب 6 مليارات ريال. ومثل هذا الحدث المؤثر لا ينبغي أن يمر دون أن يحظى بتغطية وتحليل من قِبل الصحف الكبرى، نظراً لمكانة الشركة، وارتباط عدد كبير من المواطنين بهذا الانخفاض وتبعاته. لكن شركة «موبايلي» كان لها رأي آخر، وهي الواقعة في مأزق اقتصادي كبير؛ إذ فضّلت أن يتم استخدام أسلوب «التعتيم» والتغاضي من قِبل الصحيفة، نظراً للمنافع المادية التي تتلقاها مقابل نشر الإعلانات؛ ما يُظهر جهلاً وسوء تقدير بالغ لمكانة الصحافة، ودور السلطة الرابعة كأداة تنوير لا تعتيم، ومعول بناء لا هدم. فبدلاً من أن تنشغل الشركة - وهي الغارقة في انخفاض مخيف في الأرباح - بانتشال نفسها من هذا التراجع بالنسبة القصوى خلال مدة أربعة أيام متتالية، فضّلت أن تشغل مكتب علاقاتها العامة، الذي من المفترض أن العاملين فيه على علم ودراية بأسس التعامل مع وسائل الإعلام، وأبجديّات التواصل مع الشركات أو الصحف أو عملاء الشركة، بصياغة الخطاب «الكارثة» الذي لم يخلُ من عنصر التهديد والابتزاز بنشر صورة لرئيس التحرير وهو يزور الرئيس التنفيذي للشركة خالد الكاف، وذلك ليس ابتزازاً رخيصاً فحسب، بل غير منطقي؛ إذ جاءت زيارة رئيس التحرير رداً لزيارة سابقة قام بها الأخير لمكاتب صحيفة الجزيرة. فإن كانت تلك الزيارة محل ابتزاز وموضع تهديد، وتحمل نوايا مبطنة، فلِمَ قرر الكاف المبادرة للقيام بها أولاً؟ وما بال مكتبه يهدد بنشر الصور محاولاً التلويح بها، دون أن يعلم أنه كارت محروق، قد يُستخدم ضدهم؟ أم أنهم استبعدوا أن تنشر الجزيرة، بموقف شجاع يحسب لها، تفاصيل الرسالة وما تضمنته من حجج واتهامات خرجت مدحوضة من فم قائلها؟ واعتقدوا أنها قد تساوم على مهنيتها، وتاريخها العريق كمدرسة للصحافة، ومنبر للإعلام النزيه، الذي لا ننكر أن له زلاته وأخطاءه، كأي مؤسسة أخرى تدار من بشر، يخطئون ويصيبون، ويحسنون التقدير حيناً، ولا يوفَّقون أحياناً أخرى، لكنهم لا يساومون على المبادئ الأساسية في الصحافة، ولا يتنازلون عن قيم إن فُقدت قيل على صاحبة الجلالة السلام.
قد يعتقد البعض أن تفاصيل الرسالة ساءتني؛ كوني كاتبة في الصحيفة، ومحسوبة عليها بشكل أو بآخر، لكن الحقيقة أني أخذت الخبر بشكل شخصي؛ كوني طالبة صحافة/ سنة رابعة، وتعلمت خلال سنوات دراستي أن الكلمة الحرة وإيصال المعلومة للناس مسؤولية ورسالة، تقع على عاتق كل صحفي حر ونزيه، وتشربتُ طيلة هذه السنين مفهوم أن الصحافة الحقيقية بمكانتها وقوة تأثيرها قد تغير الخرائط والمناصب والقناعات، وتردد على مسمعي قول الروائي الروسي ليو تولستوي، كأول جملة في دستور الكلمة الحرة، حينما قال: «الصحافة هي بوق السلام، وصوت الأمة، وسيف الحق، وملاذ المظلوم، ولجام الظالم، التي تزلزل المستبدين».
لذلك تُعتبر الصحافة وأقلام كتابها، وأسئلة مراسليها عالمياً، كابوساً حقيقياً لكل مسؤول يتأخر أو يتقاعس عن أداء واجبه.. ويقلل من شأن دورها أو يساوم عليه. فهل تدرك ذلك موبايلي؟ والأهم، هل تتراجع وتعتذر عما أقدمت عليه؟ ليس للجزيرة فحسب.. بل لكل الصحف والصحفيين السعوديين.