الجزيرة - حسنة القرني:
انتقد خبير تطوير الأعمال والمشاريع المهندس تركي التركي استمرارية بناء ميزانية الدولة على البنود، واصفاً نظام البنود بالقديم والعقيم الذي لا يساعد على التقييم والمحاسبة؛ فهو ـ بحسب رأيه ـ مشتت للانتباه، ومساهم في الهدر.
مطالباً بضرورة إيقاف الهدر المتمثل في الصرف غير المنضبط، الذي ينخر في الأموال العامة، ويُفقد الناتج المحلي الإجمالي ما يقرب من 40 % من قيمته - على حسب إحدى الدراسات المتحفظة - مقترحاً بناء الميزانية المقبلة، التي من المتوقع إعلانها مطلع الشهر المقبل، على المشاريع والإنجاز بعيداً عن البنود.
وأكد خبير تطوير الأعمال والمشاريع لـ»الجزيرة» أهمية الاستمرار في التنمية والتطوير رغم انخفاض الدخل، وشدَّد على أن خفض النفقات كحل للعجز المتوقع في الميزانية المقبلة بسبب انخفاض أسعار النفط سيكون عائقاً للتنمية وتبريراً للعجز عن التطوير. مشيراً إلى أن جميع المشاريع التنموية والبنى التحتية هي ذات أولوية؛ ولا يمكن تقليل النفقات، أو إيقاف مشاريع تتعلق بالتعليم والصحة والإسكان والنقل.
وحذَّر خبير تطوير الأعمال والمشاريع من استمرارية الهدر، محدداً له 12 وجهاً، ومقترحاً لها بعض الحلول، يأتي في مقدمتها بناء ميزانية الدولة على البنود ـ كما هو حاصل الآن ـ مؤكداً أننا لا نزال نستبشر بإقرار الميزانية وحجم المبالغ المرصودة، ولا ننظر لحجم العمل والإنجاز الذي تم على أرض الواقع؛ ولذلك فالحل هو أن تُبنَى الميزانية على المشاريع والإنجاز، وليس على البنود.
ولنا في مشاريع تصريف السيول في جدة خير مثال؛ فقد تم الصرف عليها منذ 40 سنة أكثر من مرة دون أي نتائج مُرضية.
ويحتل النظام المستخدم في المشاريع الحكومية المركز الثاني من أوجه الهدر، مرجعاً سبب ذلك إلى تعطيل وتعثر المشاريع بسببه، مع سوء جودة المخرجات؛ ما نتج منه استمرار الهدر والصرف الإضافي والسحب من بنود أُخَر لتغطية التكاليف المترتبة على التعثر. والحل - كما اقترح - يتمثل في تبني نظام فعّال في الترسية والسحب، مثل نظام أرامكو، واعتماد عقود الفيديك في التعاقد.
وبيّن أن نظام المشاريع الحالي بدون تعثر من شأنه أن يرفع من تكلفة المشاريع على الدولة، وبذلك يكون هذا النظام الوجه الثالث للهدر نظراً إلى أن المقاول يضع احتياطات كبيرة ضمن التسعير تفادياً للوقوع في مشاكل وتعديلات مستمرة مع الجهات الحكومية المالكة للمشاريع؛ وذلك لأن العقد الحالي لا يضمن له حقوقه. والحل - كما يرى - يكمن في تبني استخدام عقود الفيديك التي ستقلل من تكاليف المشاريع ما بين 20 % و30 %، والتي ستضمن انضباط الجهات المالكة مع المقاول أثناء التنفيذ. وأكد أن الهدر ثقافة سائدة عند الجهات الحكومية بسبب نظام البنود؛ فالجهات الحكومية تسعى لصرف المبالغ المرصودة لها كافة قبل انتهاء السنة المالية، دون إرجاع للمبالغ الفائضة عن حاجتها؛ ما يعني استنزاف فوائض الميزانية في مشاريع وهمية، أو ليست ذات فائدة حقيقية؛ ما يشكّل ـ حسب رأيه ـ الوجه الرابع للهدر.
واحتلت البنية التحتية غير الموحدة الوجه الخامس للهدر بسبب حفر الشوارع مراراً وتكراراً لتوصيل الخدمات؛ ما أدى إلى استنزاف أموال الدولة.
ويمكن تجاوزه بإيقاف التلاعب والإهمال فيه، من خلال اعتماد بنية تحتية موحدة، تتوافر من خلالها الخدمات بطريقة تكاملية. وقد تم تطبيق ذلك منذ 40 سنة في الجبيل وينبع الصناعيتين وحي السفارات في الرياض، مقترحاً اعتماد هذه الطريقة كنظام أساسي للبلديات.
وأضاف: هناك أسلوب سادس من أساليب الهدر الموجودة يتعلق بضعف المراقبة، وانعدام المحاسبة، هو ارتفاع مصاريف الصيانة؛ وذلك بسبب سوء جودة مخرجات المشاريع. فتكاليف الصيانة لها سقف محدد، يحسب بحسب المشروع وطبيعته. معتبراً أي زيادة هدراً وفساداً. كما عد ما تقوم به بعض الجهات الحكومية من اعتماد مشاريع جديدة لتغطية عيوب المشاريع السابقة - مثل السفلتة على سبيل المثال - وجهاً سابعاً.
واستدرك موضحاً أن لكل مشروع ما يسمى بالعمر الافتراضي، يمكن بعد انتهائه عمل مشاريع للتجديد، لكن أن نعتمد مشاريع للتجديد بينما العمر الافتراضي للمشروع السابق لم ينتصف بعد فذلك يُعدّ هدراً وفساداً؛ لا بد من المحاسبة عليه. ودعا إلى إيقاف هدر الطاقة داخلياً؛ إذ إننا نستهلك أكثر من 3 ملايين برميل بترول يومياً في الداخل، من خلال تبني مواصفات مناسبة للأجهزة المنزلية، وتبني العزل الحراري، وإيقاف استنزاف المياه.
وعلى الرغم من اعتباره أن ذلك وجهاً ثامناً للهدر فإنه يرى أنه فيه جهوداً ملموسة من قِبل الجهات المختصة بدأنا نلمس أثرها.. منادياً بالمزيد. واعتبر مستوى استهلاكنا للطاقة وجهاً تاسعاً للهدر؛ لأنه الأعلى عالمياً (الكهرباء والماء). مرجعاً ذلك إلى أن لدينا بدائل وفيرة، من شأنها أن تسهم في ترشيد الاستهلاك، مثل تبني استخدام الطاقة الشمسية، ونشره على نطاق واسع في الخدمات العامة، كإنارة الطرق، وكذلك الاستخدام التجاري والسكني. مشيداً بأمانة المنطقة الشرقية التي بدأت بإنارة بعض الطرق باستخدام الطاقة الشمسية.
وبحسب دراسة سابقة، قامت بها هيئة مكافحة الفساد (نزاهة)، اعتبر التركي المشاريع وجهاً عاشراً للفساد، والوسيلة الأهم في الهدر والفساد؛ ولذلك لا بد من تعزيز مكافحة الفساد، وتبني وسائل أكثر شفافية، ومحاسبة المسؤولين عن الهدر والتعثر وصرف أموال الدولة في غير محلها.
وأكد أن عدم وجود مخططات شاملة للمدن وخطط استراتيجية للتوسع يحتل المركز الحادي عشر من أوجه الهدر. فتكرار بعض المشاريع أو إلغاء بعضها بعضاً يساهم في الهدر - كما حصل في الكوبري الذي تم إزالته قبل انتهائه شمال مطار الملك خالد؛ لأنه تقاطع مع سكة الحديد لقطار الشمال! أو افتتاح مشروع ثم إزالته بعد فترة قصيرة، مثل عمل شبكة مياه لحي عشوائي ستزيله الأمانة خلال ثلاث سنوات! - لذلك لا بد من تبني مخططات شاملة للمدن، وخطط استراتيجية لكل الجهات، ترتبط بالرؤية الاستراتيجية للدولة، ومن ثم إلزام الجهات الحكومية بها، والمحاسبة عليها.
واختتم بأن المطالبة برفع الرواتب ودخل الأفراد مطلب أساسي، لكنه في حال اعتماده سيثقل ميزانية الدولة. والحل يكمن في ربط الرواتب والمميزات بالمجهود والإنتاجية للموظف؛ ما يؤكد مزيداً من الإنجاز والإنتاجية على مستوى الإدارات والأقسام والوزارات، ويعني سرعة في حركة الأعمال؛ وبالتالي مزيداً من الدخل والاستثمارات وارتفاع الناتج المحلي ومصادر الدخل للدولة.
ودعا إلى ضرورة إعادة النظر في نظام الموارد البشرية للدولة (نظام الخدمة المدنية)، وتعديل الكادر، وإدراج نظام واضح للمكافآت والعقوبات، وربط المزايا والرواتب بالأداء والجهد المبذول، وليس بالحضور والانصراف دون إنتاجية.