الجزيرة - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
حرصا من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - على تقديم خدمات صحية راقية ومناسبة وتلبي طموحات المواطنين، فقد شمل التغيير الوزاري الأخير ضخ دماء جديدة في وزارة الصحة، والتي نالها التغيير (ما بين تعيين وتكليف) للمرة الثانية خلال فترة تقل عن عام تقريبا..
وتعتبر وزارة الصحة من الوزارات الخدمية، فهي تكاد تكون على رأس القمة للخدمات الحكومية التي تقدمها الدولة للمواطنين، فالصحة ليست كالغذاء وليست كالتعليم أو الطاقة أو المرور أو غيرها .. فهي لا تنتظر لإصلاح هيكلي يطول شرحه أو لتغيير تنظيمي يمتد أجله .. فالصحة تمثل قضية حياة ليس لفرد أو لأسرة، وإنما لأمة بكاملها .. من هنا تأتي أهميتها الاستراتيجية في صدارة أولويات الدولة وحكومتها الكريمة.
من هنا ولذلك، فإن حكومة خادم الحرمين الشريفين تعطي وتتيح للصحة موارد ونفقات حكومية ربما تكون الأولى والأعلى في تحديد الموازنات الحكومية في كل عام .. هذه الموارد تأتي متزايدة من عام لآخر، وهي مدمجة مع التنمية الاجتماعية لا تقل بأي حال من الأحوال عن 60 مليار ريال .. النسبة الأكبر منها تذهب لوزارة الصحة والتي لا تقل ميزانيتها السنوية عن 47-50 مليار ريال، بما يعادل نسبة 6-7% من إجمالي الانفاق الحكومية بالدولة .. والدولة حريصة على التمسك بهذه النسبة وأيضا بالقيم المطلقة في آن واحد.
بمعنى أن النسبة ثابتة وتزداد ولا تقل رغم أن إجمالي الانفاق الحكومي بالمملكة بالقيم المطلقة في تزايد كبير من عام لآخر.. وهذا يدلل على أن الدولة تخصص هذه الموارد للصحة بصرف النظر عن حالة وأوضاع الموازنة الحكومية سواء أكانت عجزا أم فائضا، فإن الدولة لا تتهاون ولا تقلل أو تغير مستوى مخصصاتها للصحة.
هذا هو حال المخصصات الحكومية للصحة، فماذا عن حال الأداء الصحي ؟ كيف هو ؟ هل تغير ؟ هل تضخم ؟ هل تمكن من استيعاب الزيادة في عدد السكان ؟ هل يلبي تطلعات المواطنين في تحسين مستوى جودة الخدمة الصحية ؟ إن لسان الحال ليقول بأن كل مواطن لا يسعى للحصول على مجرد خدمة صحية، ولكن يسعى أولا للتأكد وضمان جودتها وكفاءتها، لأن الأمر مرتبط بصحته وليس بمجرد خدمة حكومية .. ولنعلم أن وزارة الصحة تقدم ما يناهز ثلثي أو نحو 65% من الخدمات الصحية بالسوق السعودي .. أي أن الاعتماد الرئيسي يقع عليها كمقدم للخدمة الصحية.
إن التغييرات في وزارة الصحة تعطي مؤشرا على احتياج الأداء الصحي لمزيد من الكفاءة والجودة .. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن الانفاق الحكومي على وزارة الصحة بلغ خلال العشر سنوات الأخيرة ما يزيد عن 300 مليار ريال، فكيف تم انفاق هذا المبلغ الضخم والهائل والذي يفوق ميزانيات دول بكاملها خلال هذه الفترة ؟ .. إننا نتساءل ماذا أنتجت هذه المليارات الضخمة ؟
الناتج الصحي لوزارة الصحة بالمملكة: حتى الآن لم يزد عدد مستشفيات وزارة الصحة عن (259) مستشفى، هذه المستشفيات بها 35.8 ألف سرير، وهي تمثل ما نسبته 60% من إجمالي الأسرة بالمملكة، وهنا تكمن أحد مشكلات وزارة الصحة، متمثلة في معدل الأسرة منسوبا لعدد السكان، والذي لم يتجاوز 21-22 سريرا لكل 10 آلاف من السكان.
وهذا المعدل يقل عن متوسطه العالمي والذي يبلغ (30) سريرا، بمعنى أن هناك تقييمات عالمية للوضع الصحي بدول العالم، وتعتبر الدولة «متوسطة الحال» عندما يقل هذا المؤشر عن (30) سريرا، وحيث إنه لا يزال عند 20 أو حتى 22 سريراً بالمملكة بعد كل هذا الانفاق الهائل، إذن المملكة لا تزال تعاني من أداء صحي لا يحقق التطلعات الحكومية.
بل من الملفت للنظر تحسن الأداء الصحي للقطاع الخاص بالسوق السعودي كثيرا، وزيادته لعدد الأسرة الخاصة به، رغم أن الواقع يؤكد أن القطاع الخاص لا ينفق مثل هذه المليارات الضخمة على استثماراته الصحية .. إذن فإن مشكلة القطاع الصحي هي مشكلة جودة وأداء تحتاج لمراجعات جوهرية ، ولكن سريعة وليست على المدى البطيء .. فالسوق الصحي لن ينتظر لكي ندرس أو نجمد الأداء ثم نحسنه.. كما أنه لن يتسنى لأحد أن يقوم بعمليات اختبار أو تجريب أو تدقيق على المستشفيات التي لا يمكن الاستغناء عن خدماتها مطلقا .. إن الصحة تحتاج لعمليات جراحية عاجلة بحيث يتم استغلال المخصصات المالية الكبيرة بشكل كفء وبمعدلات مقبولة وتضاهي المعدلات العالمية.
كما أن الصحة ليست مجالا لهندسة إجراءات نظرية ولا لوضع أساليب جودة أكاديمية، إننا نتحدث عن مصانع لا يمكن إيقاف خطوط إنتاجها للحظة .. هذه الخطوط تحتاج لمهندسين جراحين قادرين على هندستها أثناء عملها.. وخلال الفترة الأخيرة كثيرا ما سمعنا عن إجراءات حديثة وهيكليات مبتكرة من هنا وهناك.. إلا أننا سمعنا في نفس الوقت اعتمادا كبيرا على العلاج بالخارج متزامنا معه شراء للخدمة من القطاع الخاص .. أي أن وزارة الصحة باتت تسعى لشراء الخدمة من منافذ القطاع الخاص التي تدار بالطبع بأعلى كفاءة ممكنة، لأننا نتحدث عن قطاع ربحي يعمل حسب أعلى إمكانيات للاستغلال الأمثل.
ولنؤكد على أن المجتمع السعودي لحقت به تطورات ديناميكية كبيرة خلال الفترة الماضية، أهمها ازدياد عدد السكان من 23.7 مليون نسمة في 2006م ليناهز 30 مليون نسمة حالياً، بشكل أدى إلى زيادة واتساع حجم السوق المحلي .. فضلا عن الارتفاع القوي والمذهل في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للسعوديين الذي ارتفع من 55.4 ألف ريال في 2006 إلى 97 ألف ريال حاليا تقريبا.. كل هذه العوامل رفعت من مستوى الرفاهية، وزادت من مستوى الاهتمام الصحي لدى الأفراد، ومن ثم ارتفع طلبهم على الخدمات الطبية، بل ازداد طلبهم على الخدمات الصحية ذات الجودة العالية. لذلك، فلن يتقبل المجتمع مستوى ليس على قدر الجودة والكفاءة للخدمات الصحية.. والسوق والمجتمع بكافة أفراده بات مترقبا للأداء الصحي سواء أكان طالبا لخدماته أم لا!