إشارة إلى ما كتبه الدكتور عبدالواحد الحميد عبر زاويته الاجتماعية «على وجه التحديد» في العدد رقم 15411 الصادر يوم الاثنين 16 صفر 1436هـ تحت عنوان: «الطلاق: فتش عن المخدرات..!!» تحدث في مضمون مقالته عن ظاهرة الطلاق في مجتمعنا السعودي.. مؤكداً أن نسبة كبيرة من حالات الطلاق المؤلمة هي بسبب تعاطي وإدمان المخدرات.. محملاًَ أسرة الشاب المدمن وزر الفشل المبكر لحالات الزواج التي تنتهي بالطلاق.
وتعليقاً على مقالة الدكتور عبدالواحد الحميد.. أقول ومن نافلة القول: إن الطلاق كظاهرة نفسية اجتماعية تعاني من إرهاصاتها ومثالبها جميع المجتمعات البشرية في العالم ولكن تختلف معدلاتها وارتفاع نسبها من مجتمع إلى مجتمع آخر, حسب درجة الوعي المجتمعي, والعمق الحضاري والبعد الثقافي للمجتمعات بشكل عام، ومجتمعنا السعودي الفتي الذي يعيش مرحلة شبابه في واقعه المعاصر بحكم إن ما يقارب 65% من تركيبته الديموغرافية وهرمه السكاني تمثلها الفئة الشابة.. من هذه المجتمعات التي تعاني من أزمة الطلاق وارتفاع معدلاته.. كما جاء في آخر إحصائية رسمية كشفت إن حالات الزواج والطلاق المسجلة في المحاكم السعودية خلال العام المنصرم (1435) بلغت 102757حالة زواج, مقابل 30222 صك طلاق صدرته. بمعنى أن كل 10 حالات زواج يقابلها 4 حالات طلاق، وهذه الإحصائيات ولغتها الرقمية.. تؤكد مدى خطورة ظاهرة الطلاق على بنائنا الاجتماعي لارتباطها بأكثر النظم الاجتماعية تأثيراً في حياة الإفراد والمجتمع بشكل عام، والدكتور الحميد تناول عامل واحد من عوامل وأسباب الطلاق المتمثل في قضية تعاطي وإدمان الزوج المخدرات الذي كثيراً ما تنتهي حياته الأسرية بالطلاق.. ولاشك أن علم الاجتماع يرفض نظرية العامل أو السبب الواحد عند تناوله أي قضية أو ظاهرة مجتمعية.. وآفة الطلاق في مجتمعنا ذات المعدلات العالية والنسب المزعجة.. لها عوامل كثيرة قد تكون عوامل اجتماعية كتدخل أهل الزوج والزوجة في أمور وعلاقة الزوجين في كل صغيرة وكبيرة مما قد يؤدي إلى مزيد من المشاحنات والمنازعات, ومزيداً من العنف والصراع داخل الكيان المنزلي في ظل غياب الحوار الأسري ومناخه الصحي، أو حدوث الخيانة الزوجية كسلوك ينافي قواعد الضبط الشرعي والأخلاقي والاجتماعي خاصة في عصر الفضاء المفتوح والعالم الافتراضي بتقنياته السريعة ومتغيراته الرهيبة وتحدياته الثقافية.
كما إن من العوامل المؤدية في ارتفاع نسب الطلاق في مجتمعنا العوامل النفسية مثل الغيرة الشديدة والشك الزائد وعدم الانسجام الروحي والعاطفي وحب السيطرة والتوتر والقلق والاضطرابات الانفعالية والوجدانية داخل الحياة الزوجية. خاصة مع ضغوط الحياة ومتطلباتها المعيشية بالنسبة للزوج غير القادر مادياً.. مما يولد لديه صراعات نفسية ومشكلات داخلية تنعكس على الحياة الزوجية وتهديد استقرارها. كما إن من العوامل المؤدية إلى آفة الطلاق.. العوامل الاقتصادية كالفقر وعدم القدرة على تلبية احتياجات الأسرة, بجانب البطالة وما يتمخض عنها من مشاكل معيشية وخلافات زوجية تهدد النسق الأسري, بالإضافة إلى دخول المرأة مجالات العمل المختلفة مما يترتب على ذلك استقلالية اقتصادية للزوجة عن الزوج.
وهناك دراسة علمية أكدت إن عمل المرأة لايزعزع حياتها الزوجية من الناحية الاقتصادية.. ولكن يزيد من فرص الاضطراب على صعيد تأديتها لوجباتها الأسرية والقيام بالحقوق الزوجية وزيادة المشكلات داخل البناء الأسري، كما إن المتغيرات الثقافية وتحولاتها التكنولوجية أثرت في تزايد نسبة الطلاق في نسيجنا المجتمعي, خاصة مع ظهور شبكات التواصل الاجتماعية وتحدياتها الرقمية والثقافية.. ومع تعدد العوامل والأسباب التي ساهمت في ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع السعودي وما يتمخض عن هذه الآفة المرضية.. من آثار اجتماعية ونفسية واقتصادية وأمنية وصحية تهدد بالطبع البناء الاجتماعي ووظائفه إذا اتسعت دائرتها المظلمة.. ينبغي إيجاد الحلول العلمية والعلاجية التي تحد من انتشارها وتضبط توازنها.. ولعل من أهمها الاستفادة من تجارب بعض الدول المتحضرة التي نجحت وبكل وعي وحضارية في معالجة أزمة الطلاق وخفض معدلاتها.. واستشهد هنا بالتجربة الماليزية (النموذجية) التي عالجت أزمة الطلاق في البلد.. ففي عام 1992م وصلت نسبة الطلاق في ماليزيا إلى 32% بمعنى إن كل 100 حالة زواج يفشل منها 32 حالة..! ساعتها أدرك رئيس الوزراء (السابق) المستنير د. محمد مهاتير إن النسبة المرتفعه في الطلاق ستهدد التماسك الاجتماعي ومؤشرا خطيراً على النمو الاقتصادي في البلاد ونهضتها الشاملة.. فقرر تطبيق فكرة (رخصة الزواج) وإلزام الشباب والفتيات المقبلين على الزواج بان يخضعوا إلى دورات تأهيلية متخصصة (لمدة شهر) في كيفية التعامل مع المشكلات الأسرية وتنمية المهارات النفسية والسلوكية وتعزيز قيم الوعي الاقتصادي وإعداد الميزانية المنزلية ونشر الثقافة الحقوقية وغيرها من البرامج التثقيفية والتنويرية التي تنظمها مراكز متخصصة مدعومة من الحكومة الماليزية يحصلون بعدها على رخصة تسمح لهم بالزواج.. وخلال عقد ونيف انخفضت نسبة الطلاق في المجتمع الماليزي إلى أقل من 6% كأقل نسبة طلاق في العالم.
خالد الدوس - باحث اجتماعي