إن الفناء إحدى السنن الكونية فلا يوجد كائن إلا وسيفنى بل إن هذا الكون بأكمله سيأتي يوم وينتهي وتختلف النهايات فمنها ما يكون سريعاً ومنها ما يكون بطيئاً وبالنسبة للإنسان فإن مصيره بيد الله ولكنه يمر بمراحل عمرية مختلفة من الطفولة إلى المراهقة،
فالشباب والرجولة ثم العجز والكهولة وكذلك معظم المنظمات التي تنمو في بدايتها بإبداع ورؤية جديدة ثم تنضج لتعتمد بعد ذلك على الخبرات ويضعف لديها التجديد لإعتمادها على الخبرات القديمة ثم تزول لعدم قدرتها على الاستمرار والتجديد ولتجنب الوصول إلى هذه المرحلة فإن كثيراً من هذه الجهات تحرص على تجديد الدماء في فريق العمل ابتداء من تغيير القيادات الذين هم أشبه ما يكونوا بالحصان في مضمار السباق، فما إن يشعر المسؤولون عن المنظمة بتراجع هذا الحصان في مرتبته فيجب عليهم سرعة استبداله بحصان آخر أسرع لتمضي المنظمة في عملها وتحقق أهدافها...
إن التغيير وتجديد الدماء هي من الأسس الإدارية الناجحة التي تحتاجها الإدارة من وقت لآخر وذلك لضخ دماء شابة جديدة في العمل الإداري ليخرجه من الرتابة والعمل التقليدي فكثير من الدول المتقدمة اليوم نجدها تزدهر وتبنى بسواعد شبابها وطاقاتها الواعدة، ففي أمريكا يرفض الكثير فكرة الثبات في المنصب الإداري وما إن يأتي مدير أو قائد لشركة فإنه يبادر بإجراء تغييرات جوهرية في إدارته رغبة منه في ضخ دماء جديدة لتحريك الطاقات الكامنة وتحقيق أعلى درجة من الانسجام الفكري والنفسي داخل الإدارة.
يرى بعض علماء الإدارة أن المديرين التنفيذيين يجب ألا يستمروا لأكثر من 8 سنوات في المناصب الإدارية، مشيريين إلى أن تجاوز هؤلاء المديرين التنفيذيين لهذه السنين قد ينتج عنه ضعف إداري أو ما يعرف بالكهولة الإدارية فنحن نعيش اليوم في عالم متغير بشكل سريع ومستمر وهذا يتطلب توفير الطاقات البشرية والفكرية التي تستطيع أن تتأقلم مع هذا التغيير وما لم نسع إلى توفير القيادات التي تعرف كيف تتعامل مع هذا التغير فستكون هناك فجوة كبيرة بين الواقع المعاصر والقيادات القديمة الموجودة، كما إن التعامل مع التغير يسهم في تحقيق الإنجاز في الوقت المحدد له دون الانتظار لسنوات طويلة لحين استيعاب ما يحدث حولنا أو التعلم من التجارب ومعرفة الصحيح والخطأ أو الجمود لسنوات طويلة لحين انتقال الخبرة.
الهدف من الدماء الجديدة ليس استمرار الآلية السابقة أو الطريقة القديمة أو النتائج السنوية العادية بل الهدف هو تغيير ذلك كله إلى ما هو أفضل وعلى كافة المستويات فعندما يمس التغيير رأس الهرم فهذا يعني أن كل من هو في ذلك الهرم قابل للتغيير سواء كانت المواقع أو الأشخاص أو حتى الأفكار، مع التأكيد بأن اللحظات الأولى للتغيير عادة ما تكون لحظات صعبة لأنه يصاحبها مقاومة كما يصاحبها إشاعات وأقاويل عديدة مما يسهم في إيجاد أجواء مضطربة وغير مستقرة وهذا يستدعي القيام بجهد أكبر في سبيل التعامل مع تلك الأحوال.
إن من أسباب تجديد الدماء تطوير أساليب الإدارة في علاجها للمشكلات والتغييرات التي تؤثر على بيئة العمل مما يسهم في تقديم خدمات أفضل للمستفيدين كما يسهم في زيادة حماس فريق العمل وتطوير قدراتهم ومهاراتهم وإمكاناتهم على المنافسة لمواكبة التطور العلمي وثورة المعلومات وهذا سيسهم في إيجاد بيئة محفزة للعمل وللتطوير والإبداع والتجديد، كما يسهم في قياس أداء ذلك الفريق ومعرفة مستوى تقدمه في تحقيق أهدافه وسبل تحسينها.
إن تجديد الدماء أصبح ضرورة في عصرنا الحاضر فثورة تقنية المعلومات تحيط بنا وتحاصرنا والتعامل معها لم يعد أمراً كمالياً أو نوعاً من التحضر بل غدا ضرورة حتمية في عصر منفتح وعدم تجديد الدماء لمواكبة هذا الانفتاح يعني الذوبان والانقراض والتقهقر.