يطمح كل رئيس للإمبراطورية الأمريكية في دخول التاريخ، وقد تمكن قلة منهم من تحقيق ذلك الحلم العسير، فجورج واشنطن دخل التاريخ كأبرز رئيس في التاريخ الأمريكي، مناصفة مع الرئيس ابراهام لينكولن، فالأول هو أبو الولايات المتحدة الأمريكية، والذي سميت العاصمة باسمه، ويؤكد المؤرخون أنه كان بإمكانه أن يؤسس لنظام ملكي في العالم الجديد ، ولكن هذا لم يخطر له على بال، فقد كان حلمه هو أن تكون هذه الدولة الوليدة أعظم إمبراطورية ديمقراطية عرفها التاريخ، وقد كان، أما لينكولن فقد دخل التاريخ بإلغاء الرق، وإعادة توحيد أمريكا، بعد الحرب الأهلية، ولا يزال الجمهوريون يفخرون بانتمائهم لحزبه حتى اليوم .
الرئيس توماس جيفرسون دخل التاريخ كمفكر ترك بصمة واضحة في الدستور الأمريكي، وهو أعظم دستور ديمقراطي لا زال خالداً حتى اليوم، والرئيس فرانكلين روزفلت دخل التاريخ من طريقين، فقد كان بطلاً من أبطال الحرب العالمية الثانية من جهة، كما نجح في قيادة أمريكا خلال فترة الكساد الاقتصادي العظيم في ثلاثينات القرن الماضي، كما نجح خليفة روزفلت، الرئيس هاري ترومان في دخول التاريخ، بعد أن أعطى الأوامر لضرب اليابان بالقنابل النووية، وإعلان فوز الحلفاء بالحرب العالمية الثانية، وتبعه في دخول التاريخ الرئيس ريتشارد نيكسون باختراقه أسوار العالم الصيني، ورونالد ريجان بحرب النجوم، وجورج بوش الأب بتفكيك الاتحاد السوفييتي، وهدم جدار برلين، وبيل كلينتون بالازدهار الاقتصادي الكبير !.
الرئيس باراك أوباما يستحضر سير كل هؤلاء الزعماء، ويطمح، كما غيره، في أن يدخل التاريخ، ويبدو أنه قد حسم أمره، وراهن على أن حل إشكالية برنامج إيران النووي، وإعادة العلاقات الأمريكية - الإيرانية إلى سابق عهدها هو طريقه إلى «التاريخ»، وقد «باع « - في سبيل هذا الحلم - معظم حلفاء أمريكا التاريخيين، وتشير التسريبات التي نشرت، بعد استقالة وزير الدفاع تشيك هيقل، إلى أن نقاشاً غير ودي حصل بين الاثنين، اذ سأل هيقل أوباما عن سر رسالته لعلي خاميني، فقال أوباما: «إن خاميني صاحب الكلمة العليا، ولديه قوة ردع ضد الحرس الثوري!!»، ثم سأله هيقل عن سر تباين سياسة أمريكا مع داعش في سوريا والعراق، فقال أوباما: «الهدف هو إشعار طهران أننا حريصون على صديقها بشار الأسد!!، وأننا نستبعد حلفاءنا، ومعارضة سوريا، إذا كان الثمن توقيع النووي!!»، ثم تساءل هيقل عن سر هذه التنازلات، فأجاب أوباما :» إننا نطمح في أن تكون إيران شريكاً مستقبلياً في المنطقة!!»، وفي هذا السياق قال لي صحفي أمريكي صديق - ساخراً - :» إننا في أمريكا نتهم أوباما بأنه مسلم سني، لأنه عاش طفولته في إندونيسيا، مع زوج أمه المسلم، ولكن يبدو أنه ليس سنياً، بل شيعياً متخفياً!!»، وما أخشاه، ويخشاه غيري هو أنّ سياسة أوباما الناعمة مع إيران لن تدخله التاريخ، وقد ينتهي به الأمر لدخول التاريخ، ولكن كواحد من أسوأ الرؤساء الأمريكيين، والذي أفقد أمريكا حلفاءها، ولم يستطع كسب ألد أعدائها، هذا إذا كانت إيران - حقاً - من أعداء الإمبراطورية الأمريكية!!.