تعود قضية التجسس الرقمي للواجهة الدولية من جديد؛ إذ من المنتظر أن يقدم مشروع قرار قدمته ألمانيا والبرازيل أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يشجع على اتباع نهج أكثر صرامة في التعامل مع التجسس الرقمي، وتؤكد ألمانيا والبرازيل أن المراقبة الجماعية واعتراض وسائل الاتصال الرقمي وجمع البيانات الشخصية يمكن أن يضر بحقوق الإنسان.
وفي متابعة لقرار اعتمدته الأمم المتحدة العام الماضي، وضعت الدولتان نص مشروع جديد يشمل البيانات التوضيحية، وينص المشروع على أن المراقبة واعتراض الاتصالات وجمع البيانات الشخصية بطريقة غير قانونية أو تعسفية - بما في ذلك البيانات التوضيحية - هي تصرفات شديدة التطفل، والبيانات التوضيحية هي تفاصيل عن الاتصالات مثل أرقام الهواتف التي استخدمت في المكالمات، ومتى أجريت، والمدة التي استغرقتها، ومتى وأين تم الدخول على حساب البريد الإلكتروني أو على الإنترنت، ومن تلقى رسالة بالبريد الإلكتروني، وأي صفحات على الإنترنت تمت زيارتها.
وتصوت اللجنة الثالثة بالجمعية العامة للأمم المتحدة والمعنية بحقوق الإنسان على المسودة هذا الشهر، بعد أن تزايدت عمليات التجسس على أجهزة الاتصالات ووسائل الاتصال الرقمي، وتعدت ما كان يطلق عليه بـ(التطفل)، بحيث أصبح مبدأ مراقبة الهواتف والبريد الإلكتروني يطال حتى رؤساء الدول، وقد كشف عن اختراق لخصوصية هاتف المستشارة الألمانية ورئيس جمهورية البرازيل.
كما أن اهتمام الدول بالحد من عمليات (التطفل التجسسي) جعل كثيراً من الدول تسعى لوضع حد لهذا الأسلوب غير القانوني وغير الأخلاقي، وأظهرت معلومات تداولتها مواقع الميد الدولية أن العديد من الحكومات من مختلف أنحاء العالم قدمت خلال الشهور الستة الأولى من 2014م حوالي 34946 طلباً للاطلاع على بيانات تخص المستخدمين.
وكشف موقع فيس بوك للتواصل الاجتماعي على الإنترنت أن عدد الطلبات المقدمة من قبل الحكومات للاطلاع على معلومات عن المستخدمين ارتفعت بنحو الربع في النصف الأول من العام 2014م مقارنة بالنصف الثاني من عام 2013م.
وقال (فيس بوك) في تدوينة نشرت على شبكة الإنترنت إن حكومات من مختلف أنحاء العالم قدمت خلال الشهور الستة الأولى من 2014م حوالي 34946 طلباً للاطلاع على بيانات تخص المستخدمين، مشيراً إلى أن البيانات الخاضعة لقيود بسبب قوانين محلية ارتفعت بنحو 19 بالمائة مقارنة بالسابق. كما قالت إدارة الموقع: نتابع بنشاط استئنافاً أمام محاكم أعلى درجة لإبطال هذه الطلبات الضخمة وإجبار الحكومات على إعادة البيانات التي حصلت عليها.
ويذكر أن شركة جوجل أعلنت في سبتمبر - أيلول الماضي عن زيادة في عدد الطلبات الحكومية للحصول على بيانات خاصة بالمستخدمين قُدرت بحوالي 15 بالمائة خلال النصف الأولى من العام الجاري، مشيرة إلى وجود زيادة قدرها 150 في المئة في الأعوام الخمسة الأخيرة في عدد الطلبات التي تقدمت بها حكومات في أرجاء العالم للاطلاع على بيانات مستخدمين في (تحقيقات جنائية).
ورغم التزامها الأخلاقي لمستخدميها بالتحفظ على معلوماتهم وبياناتهم الخاصة، تجد شركات التقنية نفسها مجبرة على التعاون بشكل مطلق مع السلطات الأمريكية، وبشكل أقل مع باقي الحكومات.
وينص القانون الأمريكي على إلزامية تعاون كل شركات التقنية مع السلطات الأمريكية، وإلزامية تقديمها المعلومات التي تُطلب من قبل السلطات الأمريكية عبر أوامر قضائية سرية يمنع على متلقيها (شركات أو أفراد) أن يتحدثوا عنها في العلن.
وأثبتت تقارير نشرت عبر كبريات المؤسسات المهتمة بهذا الشأن أن معظم شركات التقنية والإنترنت تجمع بيانات عملائها وتستخدمها لصالح منفعة تلك الشركات خاصة في الدعاية والإعلان، حيث يستخدم جوجل خدماته التعليمية لمعرفة العديد من المعلومات بخصوص ما يكتبه المستخدمون، كما أن البريد الإلكتروني (جي ميل) ينسخ كل الرسائل الإلكترونية الواردة والصادرة في خوادم الشركة، مما يتيح لها الاستفادة من محتواها.
وبينما يعتقد البعض أن الشركات العاملة خارج أمريكا قد تكون متحررة من قيود القانون الأمريكي، وبالتالي تكون المعلومات المخزنة لديها أكثر حصانة، كشفت أدلة جديدة أن حصول وكالة الأمن القومي على المعلومات الإلكترونية لا يكون عبر الأوامر القضائية فقط، وإنما بأساليب أخرى تفتقد لأي وازع أخلاقي، وتخترق خصوصيات المستخدمين في كل أنحاء العالم، فقبل أشهر أشارت صحيفة (الغارديان) إلى أن وكالة الأمن القومي الأمريكية ونظيرتها البريطانية (التي تسمى بمركز الاتصالات الحكومية) تمكنتا عبر شراكات سرية مع شركات التكنولوجيا وخدمات الإنترنت من إدخال نقاط ضعف سرية في برمجيات التشفير التجارية تُعرف باسم (الأبواب الخلفية) للحصول على المعلومات.
في حين كشفت مكتبة (كريبتوم) - وهي مكتبة إلكترونية أنشئت بواسطة الولايات المتحدة وتعد مستودعاً للوثائق والمواد السرية - في شهر أكتوبر 2013م أن وكالة الاستخبارات الأمريكية تجسست على أكثر من 7.8 مليار مكالمة هاتفية في السعودية فقط، وتحدثت تقارير أخرى عن تجسس الأمريكيين على أصدقائهم في فرنسا وألمانيا.
وفي شهر مارس /آذار الماضي اتصل مارك زوكربرج مؤسس موقع فيسبوك بالرئيس الأمريكي باراك أوباما، منتقداً إدارته في تعاملها مع الملف، وفي استخدام وكالة الأمن القومي لصفحات فيسبوك مزورة لخداع المستخدمين وإصابة حواسيبهم بفيروسات.